بثبوته له كقولنا : «زيد قائم» يستدعي لحاظ كلّ من الموضوع والمحمول في آن واحد ، وهو آن الحكم ، وإلّا لكان الحكم من النفس ممتنعا ، فلا بدّ حين الحمل والحكم من الالتفات إليهما ، وحضورهما معا في النفس بلا تقدّم وتأخّر ، فالحمل يستلزم الجمع بين اللحاظين الاستقلاليّين.
الرابع : أنّه لا إشكال في أنّ قولنا : السواد والبياض متضادّان قضيّة صحيحة ، ولا ريب في أنّ الموضوع فيها عبارة عن السواد والبياض بلا تقدّم وتأخّر في موضوعيّة أحدهما على الآخر ، فالمتكلّم حين حمل المتضادّين عليهما إمّا أن يكون غافلا عنهما ، وإمّا أن يكون ملتفتا إلى كلّ واحد منهما ولا ثالث في البين ، وحيث إنّ الأوّل غير معقول فتعيّن الثاني ، فلا بدّ من حضورهما ولو في آن واحد عند النفس معا حتّى يصحّ الحمل ، فالاستحالة التي ادّعى المحقّق النائيني قدسسره في جانب المعنى ـ أي اجتماع اللحاظين المستقلّين في آن واحد عند النفس ـ ليست بتامّة ، كما أنّ الاستحالة التي ادّعاها المحقّق الخراساني قدسسره في جانب اللفظ أيضا ليست في محلّها.
وقد ذكر طريق ثالث للاستحالة وهو : أنّ للمفاهيم والماهيّات تصوّر وجودات خمسة : الأوّل : الوجود العيني الخارجي ، الثاني : الوجود الذهني ، الثالث : الوجود الإنشائي ، ولكنّه منحصر ببعض المفاهيم كمفهوم الطلب وأمثاله ، الرابع : الوجود الكتبي ، الخامس : الوجود اللفظي. وهو أنّ تحقّق العلقة الوضعيّة بين اللفظ والمعنى يقتضي أن يكون اللفظ وجودا تنزيليّا للمعنى ، فيكون «زيد» من حيث وجوده الخارجي مصداقا واقعيّا ووجودا خارجيّا لماهيّة الإنسان ، وأمّا من حيث وجوده اللفظي فيكون وجودا تنزيليّا لها وإن كان هذا اللفظ وجودا خارجيّا ومصداقا واقعيّا لماهيّته اللفظيّة.