وأشكل عليه بعض الأعلام بأنّه لو كان المراد من البطون ما ذكره قدسسره لا يكون ذلك موجبا لعظمة القرآن على غيره ولا لفضيلته على سائر المحاورات ، مع أنّ هذه الأخبار تكون في مقام بيان عظمته وفضيلته.
على أنّ لازم ذلك ألّا تكون البطون بطونا للقرآن ومعانيا له ، بل كانت شيئا أجنبيّا عنه ، غاية الأمر أنّها اريدت حال التكلّم بألفاظه ، وهو مخالف لصريح الروايات المشتملة على البطون ، فهي كما نطقت بإثبات الفضيلة والعظمة للقرآن على غيره من جهة اشتماله على ذلك ، كذلك نطقت بإضافة تلك البطون إليه وأنّها معاني القرآن لا أنّها شيء أجنبيّ عنه. ولا يخفى أنّ الإشكال في كمال الصحّة والمتانة.
وأمّا الاحتمال الثاني الذي ذكره قدسسره في أخبار البطون فهو : يمكن أن تكون البطون من لوازم المعنى المستعمل فيه اللفظ ، فلا يكون اللفظ مستعملا فيها ، وإن دلّ عليها بالدلالة الالتزاميّة ، نظير ما إذا فرض أنّ قدوم الحاجّ يلازم عادة نزول البركات ، فإنّ قوله حينئذ : «قدم الحاجّ» لم يستعمل إلّا في معناه ، لكنّه يدلّ التزاما على نزول البركات ، والدلالة الالتزاميّة أجنبيّة عن الاستعمال وإن كانت أفهامنا قاصرة عن إدراكها.
وأيّد هذا الاحتمال بعض الأعلام (١) بقوله : «وأمّا ما ذكره ثانيا من أنّ المراد من البطون لوازم معناه وملزوماته من دون أن يستعمل اللّفظ فيها ، فهو صحيح». ثمّ استشهد له بعدّة روايات :
منها : ما جاء عنهم عليهمالسلام من أنّ القرآن حيّ لم يمت ، وأنّه يجري كما يجري الليل والنهار ، وكما تجري الشمس والقمر ، ويجري على آخرنا كما يجري على
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٢١٣ ـ ٢١٤.