بيان ذلك : أنّ لفظ العرض في المنطق والفلسفة قد يطلق في باب إيساغوجي في مقابل الذات والذاتيّات ، مثل : العرض العامّ والخاصّ في الكلّيّات الخمس ، وقد يطلق في باب البرهان في مقابل الجوهر. والعرض في الإطلاق الثاني يشترك مع الجوهر من جهة ، وهي أنّهما ذا واقعيّة حقيقيّة ولهما ما بإزائهما في الخارج ، ويفترق معه من جهة اخرى ، وهي أنّ الجوهر مستقلّ في الوجود ولا يحتاج إلى الغير ، بخلاف العرض ؛ إذ مع كونه واقعيّة من الواقعيّات يحتاج في وجوده الخارجي إلى الجوهر والمعروض ، مثل : البياض الذي له واقعيّة ، ولكن في عين واقعيّته يحتاج إلى الجسم في وجوده الخارجي.
وأمّا العرض الذي يطلق في باب إيساغوجي في مقابل الذات والذاتيّات فقد يكون جوهرا ، وقد يكون مقابله ، أي من المقولات العرضيّة ، وهذا القسم من العرض لا يطلق على الامور الاعتباريّة ، بل يطلق على الامور الواقعيّة.
والظاهر أنّ المراد من العرض في عبارة المحقّق الخراساني قدسسره (١) ـ موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة ـ هو العرض الذي يطلق في باب إيساغوجي في مقابل الذات والذاتيّات ، وإذا كان الأمر كذلك ننظر في الفقه ومسائله ، وأنّ العرض بهذا المعنى هل يجري فيه أم لا؟ ومن البديهي أنّه يبحث في الفقه إمّا عن الأحكام الوضعيّة ـ مثل الدم نجس والبول نجس وأمثال ذلك ـ وإمّا عن الأحكام التكليفيّة ـ مثل : الصلاة واجبة ، الصوم واجب ـ ومن المعلوم أنّ الوجوب والنجاسة من الامور الاعتباريّة ـ كالملكيّة والزوجيّة ـ التي اعتبرها العقلاء والشارع ، والنجاسة أيضا لم تكن عبارة عن وجوب الاجتناب فقط ، بل للشارع فيها حكمان :
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٢.