ولا يتوهّم أنّ القدر الجامع بينهما موجود ، فلا ضرورة بتعدّد الوضع ؛ بأنّ الواضع وضع اللفظ لكلّي الارتباط ، سواء كان صدوريّا أم حلوليّا ؛ لأنّه مردود ؛ إذ كلّي الارتباط يشمل الفعل الماضي المجهول أيضا ، مع أنّ الارتباط فيه وقوعيّ ، فلا يكون جامعا بين خصوص الارتباط الصدوري والحلولي ، فلا بدّ من تعدّد الوضع فيه وإن كانت الهيئة واحدة. وأمّا الفعل المضارع فيختلف في الدلالة ، فمنه ما يدلّ على المستقبل ، ومنه ما يطلق على الحال ، مثل : قول القائل : هل تعلم حكم هذه المسألة؟ والجواب : نعم أعلم حكمها ، وهكذا قوله : هل تقدر على الذهاب إلى المدرسة؟ والجواب : نعم أقدر على ذلك ، فاستعمل في هذين المثالين بمعنى الحال ، واستعماله في هذا المعنى كثير ، ولذا قال المحقّق النائيني قدسسره : إنّ الفعل المضارع وضع للحال ولا يستعمل في الاستقبال إلّا بالقرائن ، واستدلّ بقوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً)(١).
وجوابه : أنّ الآية تدلّ على استعمال الفعل المضارع في الحال ، لا أنّه يستعمل فيه مطلقا ، وهو يكون معنى حقيقيّا له ، فلا شكّ في استعمال الفعل المضارع في الحال والاستقبال بدون القرينة ، إنّما الكلام في أنّ اشتراكه بينهما هل يكون معنويّا أم لفظيّا ، أو يكون في المسألة احتمال ثالث؟ ويستفاد من كلام صاحب الكفاية قدسسره (٢) أنّ اشتراكه بينهما يكون معنويّا ، ومن هنا ذكر تأييدا لما ادّعاه من عدم دلالة الفعل على الزمان بقوله : إنّ المضارع يكون مشتركا معنويّا بين الحال والاستقبال ، ولا معنى له إلّا أن يكون له خصوص معنى صحّ انطباقه على كلّ منهما ، لا أنّه يدلّ على مفهوم زمان يعمهما مثل
__________________
(١) الرعد : ٤٣.
(٢) كفاية الاصول ١ : ٦٢.