وثانيا : لا دليل على اعتبار هذا الأصل في تعيين الموضوع له. فإن قلنا : إنّ منشأه هو بناء العقلاء فهذا ممّا يحتاج إلى الإثبات ، ولا دليل لإثباته ؛ لأنّ الثابت عند العقلاء اعتبار الأصل المذكور في تعيين المراد ـ مثل أصالة عدم القرينة إذا شكّ في إقامتها بعد قوله: «رأيت أسدا» لا في كيفيّة الإرادة وتشخيص الموضوع له مع العلم بالمراد.
وإن قلنا : إنّ منشأه عبارة عن الأدلّة الشرعيّة مثل «لا تنقض اليقين بالشكّ» فلا مانع منه ، إلّا أنّ الإشكال من ناحية اخرى ، وهو : أنّ من شرائط الاستصحاب أن يكون المستصحب أثرا شرعيّا أو موضوعا له ، وإن لم يكن كذلك بل كان لازما عقليّا له أو عرفيّا يترتّب عليه الأثر الشرعي ، فلا يجري الاستصحاب إلّا على القول بالأصل المثبت ، والمستصحب في ما نحن فيه ـ أي عند عدم ملاحظة الخصوص ـ لا يكون أثرا شرعيّا ولا موضوعا له. نعم يترتّب الأثر الشرعي على ملاحظة العموم ، لكنّه لازم عقلي له.
ثمّ قال صاحب الكفاية قدسسره (١) : «وأمّا الأصل العملي فيختلف في الموارد».
توضيح كلامه : أنّ تشريع الحكم قد يكون بعد انقضاء المبدأ كما إذا قال : «أكرم كلّ عالم» بعد انقضاء العلم عن الذات المتّصفة به ، وقد يكون قبل انقضائه عنها ، فإن كان بعده فمقتضى أصل البراءة عدم الوجوب ؛ لأنّ المشتقّ إن كان حقيقة في الأعمّ فوجوب إكرامه ثابت ، وإن كان حقيقة في خصوص حال التلبّس فإكرامه غير واجب ، فالشكّ في معنى المشتقّ يوجب الشكّ في أصل التكليف وحدوث الوجوب ، ومقتضى أصالة البراءة عدمه.
وأمّا إن كان تشريعه قبل انقضاء العلم عنها فمقتضى الاستصحاب بقاء
__________________
(١) المصدر السابق.