وجوبه ؛ إذ المفروض القطع بوجوب إكرامه قبل زوال العلم عنه ، فبعده يشكّ في ارتفاع الوجوب ؛ إذ على تقدير وضع المشتقّ للأعمّ فالحكم باق ، وعلى تقدير وضعه للأخصّ فالحكم مرتفع ، وحيث إنّ الحكم مشكوك فيه فالاستصحاب يقتضي بقاءه ، فمع أنّ منشأ الشكّ في كلتا المسألتين واحد لكنّ الأصل الجاري في كلّ منهما غير الآخر كما لا يخفى.
وقال بعض الأعلام (١) : إنّ ما أفاده صاحب الكفاية قدسسره أوّلا من أنّه لا أصل هنا ليعوّل عليه عند الشكّ في الوضع ، فهو صحيح ، وأمّا ما أفاده ثانيا من أنّه لا مانع من الرجوع إلى الأصل الحكمي في المقام ، وهو أصالة البراءة في موارد الشكّ في الحدوث ، والاستصحاب في موارد الشكّ في البقاء ، فلا يمكن المساعدة عليه ؛ إذ المرجع في كلا الموردين هو أصالة البراءة دون الاستصحاب ؛ لأنّ الاستصحاب لا يجري في موارد الشبهات المفهوميّة ـ كما أشار إليه شيخنا العلّامة الأنصاري قدسسره ـ لا حكما ولا موضوعا ، أمّا الاستصحاب الحكمي فإنّه لم يحرز فيه الاتّحاد المعتبر بين القضيّة المتيقّنة والمشكوكة ، فإذا شكّ في بقاء وجوب الصوم بعد استتار القرص وقبل ذهاب الحمرة المشرقيّة عن قمّة الرأس من جهة الشكّ في مفهوم المغرب ، وأنّ المراد به هو الاستتار أو ذهاب الحمرة؟ فعلى الأوّل كان الموضوع ـ وهو جزء النهار ـ منتفيا ، وعلى الثاني كان باقيا ، وبما أنّا لم نحرز بقاء الموضوع فلم نحرز الاتّحاد بين القضيتين ، وبدونه لا يمكن جريان الاستصحاب.
وأمّا الاستصحاب الموضوعي ـ أي النهاريّة ـ فلعدم الشكّ في شيء خارجا مع قطع النظر عن وضع اللفظ وتردّد مفهومه بين الأعمّ والأخصّ ،
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٢٤٢ ـ ٢٤٥.