لا يوجد قائما بنفسه نحكم بأنّه بياض وأبيض ، ولو لا الاتّحاد بالذات بين الأبيض والبياض لما حكم العقل بذلك في هذه المرتبة ، ولم يجوّز قبل ملاحظة هذه المقدّمات كونه أبيض ، لكنّ الأمر خلاف ذلك.
وحاصل الوجه الآخر : أنّ المعلّم الأوّل ومترجمي كلامه عبّروا عن المقولات بالمشتقّات ومثّلوا لها بها ، فعبّروا عن الكيف بالمتكيّف ، ومثّلوا لها بالحار والبارد ، ولو لا الاتّحاد لم يصحّ ذلك.
هذا ، وفسّر الكلام المذكور في لسان أهل المعقول الحكيم السبزواري في تعليقاته على الأسفار بما يغاير تفسير صاحب الفصول وصاحب الكفاية معا ، وملخّصه : أنّ نفس حقيقة البياض وغيرها من الأعراض تارة تلاحظ بما هي وأنّها موجودة في قبال موضوعها ، فهي بهذا اللحاظ بياض ولا يحمل على موضوعه ، كيف وقد لوحظ فيه المباينة مع موضوعه والحمل هو الاتّحاد في الوجود. واخرى تلاحظ بما هي ظهور موضوعها وكونها مرتبة من وجود موضوعها وطورا لوجوده وشأنا من شئونه ، وظهور الشيء وطوره وشأنه لا يباينه ، فيصحّ حملها عليه ؛ إذ المفروض أنّ هذه المرتبة مرتبة من وجود الموضوع والحمل هو الاتّحاد في الوجود.
ولكنّ الإمام قدسسره (١) على ما يستفاد من تقريراته أنّه استشكل أوّلا على ما حكاه السبزواري عن المحقّق الدوّاني من أنّه : إذا رأينا البياض والعقل يحكم بالضرورة في المرحلة الاولى بأنّه أبيض ، وملخّص إشكاله : أنّه لو فرضنا أن يحكم العقل كذلك ، ولكنّ مفهوم المشتقّ ومعناه أمر لغوي وعرفي لا بدّ من استفادته من العرف ، ولا يصحّ القول بأنّ البياض أبيض عند العرف قطعا.
__________________
(١) تهذيب الاصول ١ : ١٢٤ ـ ١٢٧.