ـ مثل ما نحن فيه ـ فنقطع بعدم جريانه ، ولا أقلّ من الشكّ ، وهو يكفي في عدم جريانه ؛ إذ لا بد من إحراز مورد جريان الأصل العقلائي. كما لا يخفى.
واستدلّ المحقّق الخراساني قدسسره (١) على كون الأمر حقيقة في خصوص الطلب الوجوبي بأدلّة متعدّدة :
منها : التبادر ، وهو أمر وجداني لا يمكن الاستدلال به له ، ولذا أنكره بعض كالمحقّق العراقيّ قدسسره (٢) ، ولكنّ مراجعة الاستعمالات العرفيّة تؤيّد التبادر المذكور في كلام صاحب الكفاية قدسسره ، بل هو دليل مهمّ في المقام ، ولعلّه هو الدليل المنحصر هاهنا.
ومنها : قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٣) ، والاستدلال مبتن على ما سيأتي إثباته من أنّ دلالة هيئة «افعل» على الوجوب ، فتقريبه على هذا : أنّه تعالى هدّد وحذّر مخالف الأمر بأنّه يجب على مخالف الأمر الحذر من إصابة الفتنة أو العذاب الأليم ؛ إذ لا معنى لندب الحذر أو إباحته ، فيدلّ ترتّب وجوب الحذر على مطلق مخالفة الأمر على أنّ الأمر حقيقة في الوجوب.
ويمكن أن يقال : إنّ في الآية قرينة على دلالة الأمر على الوجوب ، وهي عبارة عن إضافة الأمر إلى الله تعالى ، وهذا لا يناسب المدّعى من أنّ الأمر مطلقا مساوق للطلب الوجوبي ، ولعلّه كان دليلا لجعلها مؤيّدا في الكفاية.
وأورد عليه أيضا المحقّق العراقي قدسسره (٤) ، وبيان الإيراد متوقّف على ذكر مقدّمة
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٩٢.
(٢) نهاية الأفكار ١ : ١٦٠ ـ ١٦٣.
(٣) النور : ٦٣.
(٤) نهاية الأفكار ١ : ١٦٢.