سيأتي تفصيلها في بحث العامّ والخاصّ ، وهي : أنّه لو ورد خطاب بوجوب إكرام كلّ عالم ، وقد علم من الخارج بعدم وجوب إكرام زيد ، لكنّه يشكّ في أنّه مصداق للعالم حقيقة كي يكون خروجه عن الحكم العامّ بنحو التخصيص ، أو أنّه لا يكون مصداقا للعالم حقيقة كي يكون خروجه من باب التخصّص ، فهل تجري هاهنا أصالة العموم لإثبات عنوان الجاهل لزيد وخروجه عن الحكم بنحو التخصّص أم لا؟ والمحقّقون قائلون بعدم جريان أصالة العموم والإطلاق في مثل ذلك المورد ، فإنّ الدليل على حجّيّتهما عبارة عن السيرة وبناء العرف والعقلاء ، والقدر المتيقّن من جريانهما إنّما هو في خصوص الشكّ في المراد ، وأمّا إذا كان الشكّ في كيفيّة الاستعمال كما في ما نحن فيه فلا تجري أصالة العموم والإطلاق ، فإنّا نعلم بعدم وجوب إكرام زيد ـ مثلا ـ ونشكّ في خروجه عن الحكم بنحو التخصيص أو التخصّص ، فلا محلّ لجريان أصالة العموم.
إذا عرفت هذا فنقول : إنّ لفظ الأمر في الآية بلحاظ ترتّب وجوب الحذر على مخالفته محمول على الأمر الوجوبي قطعا ؛ إذ لا معنى لترتّبه على الأمر الاستحبابي بعد جواز تركه شرعا ، فلا شبهة في مراده تعالى ، وإنّما الشكّ في أنّ الأمر الاستحبابي هل يطلق عليه الأمر حقيقة وأنّه خارج عن الآية تخصيصا ـ مثل «زيد» المذكور في المثال إذا كان عالما ـ أو يطلق عليه الأمر بالعناية والمجاز وأنّه خارج عنها تخصّصا ؛ لأنّ الأمر الاستحبابي لا يكون أمرا فلا يفيد جريان أصالة الإطلاق في الآية هاهنا ؛ إذ الشكّ خارج عن مراده تعالى ومفاد الآية؟!
ومنها : قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)(١) فإنّه ورد في مقام
__________________
(١) الأعراف : ١٢.