مشتركان في الإنسانيّة ، وهي تمام ذاتهما وممتازان بالعوارض المشخّصة.
وقد اختلف أهل المعقول في وجود قسم رابع وعدمه هاهنا ، والمحققون منهم قائلون بتحقّقه وهو أن يشتركا في تمام الذات والحقيقة ، إلّا أنّ الحقيقة تكون كاملة وشديدة في إحداهما وناقصة وضعيفة في الاخرى ، فيكون ما به الامتياز عين ما به الاشتراك مثل وجود الواجب والممكن ، فإنّهما مشتركان في أصل الوجود وممتازان أيضا بأصل الوجود ، إلّا أنّه في الأوّل كامل وفي الثاني ناقص ؛ إذ الأوّل لا يفتقر إلى علّة موجدة بخلاف الثاني ، ولا يتوهّم أنّ وجود الواجب مركّب من الوجود والكمال ، ووجود الممكن مركّب من الوجود والنقص ؛ إذ لا دخل في ذاتهما غير واقعيّة الوجود ، ولكن في عين اشتراكهما في هذه الواقعيّة تكون إحداهما كاملة والاخرى ناقصة ، فما به الاشتراك عين ما به الامتياز ، وما به الامتياز عين ما به الاشتراك.
وإذا تمهّدت هذه المقدّمة فنقول : قد يتخيّل أنّ الامتياز بين الوجوب والندب بجزء ذاتهما ، بأن يكونا مشتركين في الجنس وهو الطلب ، ويمتاز كلّ منهما بفصل مختصّ به ، وما يمكن أن يعدّ لهما فصلا امور :
الأوّل : أن يكون الفصل للوجوب المنع من الترك ، وللاستحباب الإذن في الترك.
وفيه : أوّلا : أنّ معنى كلمة «المنع» ليس إلّا التحريك نحو الترك ـ أعني طلب الترك ـ فإذا اضيف هذا إلى لفظ الترك صار حاصل معناه طلب ترك الترك ، وهو عبارة اخرى عن طلب الفعل المعدّ جنسا ، كما قال به المرحوم البروجردي قدسسره (١).
__________________
(١) نهاية الاصول ١ : ١٠٠.