وثانيا : لو كان لمنع الترك دخل في ماهيّة الوجوب بعنوان الفصل فلا محالة يلتفت الإنسان إلى الترك حين الالتفات إلى الوجوب ؛ إذ لا معنى للالتفات إلى المنع من الترك بدونه ، مع أنّ الآمر والمأمور لا يلتفتان إلى الترك أصلا ، فضلا عن المنع من الترك ، فيستكشف من هذا أنّه لا دخل له في معنى الوجوب.
الثاني : أنّ الوجوب هو الطلب الموجب لاستحقاق العقوبة عند مخالفته ، والاستحباب هو الطلب الغير الموجب له.
وفيه : أنّ الوجوب بعد تحصّله وصيرورته وجوبا يصير موجبا لاستحقاق العقوبة ، فإيجاب الاستحقاق من لوازمه وآثاره لا من مقوّماته ، ولا يعقل أن يكون أثر الشيء جزء للشيء.
على أنّ الحاكم باستحقاق العقوبة هو العقل لا الشرع ، ولو كان هذا جزء مقوّما له فلا بدّ من اعتباره من ناحية الشرع ، كما لا يخفى.
الثالث : أنّ الوجوب هو الطلب المسبوق بالإرادة الشديدة ، والاستحباب هو الطلب المسبوق بالإرادة الضعيفة.
وفيه : أنّ الإرادة من العلل الباعثة على الطلب ، والمعلول بتمام ذاته متأخّر عن العلّة ، ولا يمكن أن يكون صدور المعلول عن العلّة من مقوّماته وأجزائه ، فالدليل لا ينطبق على المدّعى ؛ إذ المدّعى عبارة عن الاختلاف الذاتي بينهما ، والدليل يثبت الاختلاف في العلّة.
ولا ينافي هذا ما ذكره أهل المعقول ـ من أنّ الحرارة قد توجد بالنار وقد توجد بالشمس مثلا ، ولكن كانت للحرارة المتحقّقة بواسطة النار خصوصيّة مرتبطة بالنار ، وللحرارة المتحقّقة بواسطة الشمس خصوصيّة مرتبطة بها ، ففي الواقع يتحقّق النوعان من الحرارة ـ فإنّه صحيح ، ولكن ليس معناه الاختلاف