ونحوه ، ويجري هذا المعنى بعينه في الكلام النفسي ، فإنّه إذا لوحظ بالنسبة إلى ذات الباري يتحقّق فيه ويكون من الأوصاف الذاتيّة والقديمة ، وأمّا إذا لوحظ إلى الإنسان والجمل الخبريّة مثل «جاء زيد من السفر» فيتحقّق وراء الألفاظ ، وعلم المتكلّم بالمعنى المذكور أمرا نفسانيّا آخر والذي نعبّر عنه بالكلام النفسي ، وهكذا في الجمل الإنشائيّة إلّا أنّها إذا اشتملت على الأمر يكون للكلام النفسي المتحقّق فيها اسم خاصّ وهو الطلب ، وإذا اشتملت على النهي وكانت ماهيّة النهي عبارة عن الزجر لا طلب الترك يكون للكلام النفسي المتحقّق فيها اسم خاصّ آخر ، وهو الزجر ، وأمّا الجمل الإنشائيّة المشتملة على العقود والإيقاعات والتمنّي والترجّي لا يكون للكلام النفسي المتحقّق فيها اسم خاصّ.
وحكى الإمام قدسسره في رسالة الطلب والإرادة عن بعض أهل التحقيق : أنّ إطلاق المتكلّم على الله تعالى يكون بنحو إطلاقه على الإنسان ، بلا فرق بينهما أصلا ، إلّا أنّ الإنسان يتكلّم بالفم واللسان ، وهو تعالى يوجد الكلام من دون آلة ومن دون واسطة ، ويؤيّده تكلّمه تعالى مع موسى بقوله : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى * قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى * قالَ أَلْقِها يا مُوسى)(١).
ثمّ إنّ الإمام قدسسره بعد نفي هذه الأقوال اختار في المسألة قولا آخر ، ومحصّله : أنّ كلام الله سبحانه عبارة عن الوحي ، فإنّ إنزال القرآن وسائر الكتب إلى الأنبياء والمرسلين عليهمالسلام لا يكون بصورة إيجاد الكلام في شيء آخر قطعا ، كما أنّه لا يكون بصورة تكلّمه تعالى مع موسى عليهالسلام أيضا ولا بما ذهب إليه
__________________
(١) طه : ١٧ ـ ١٩.