يتّحدان أصلا ، وبهذا الوجه يقع الصلح بينهما ويصير النزاع لفظيّا.
ومن البديهي أنّ التصالح وعنوان محلّ النزاع بهذه الكيفيّة بعيد بمراحل عن محلّ النزاع بين الفريقين ، بل هو أقوى شاهد على عدم التفاته إلى كنه نزاعهما ، فإنّ الأشاعرة تدّعي تحقّق صفة الواقعيّة القائمة على الذات بالقيام الحلولي ، والمعتزلة تنكره ، فلا دخل للألفاظ والتعابير في هذا النزاع ، ولا يمكن المصالحة بينهما أصلا ، فالنزاع جار ولو قلنا باتّحاد الطلب والإرادة في مرتبة واحدة.
فلا بدّ لنا في تنقيح البحث ومحلّ النزاع من ملاحظة أدلّة الطرفين.
ومن أدلّة الأشاعرة أنّه إذا أخبر المخبر بأنّه «جاء زيد من السفر» فلا شكّ في اتّصاف هذه الجملة بالخبريّة ، سواء كان المخبر عالما بمطابقة المخبر به مع الواقع أم شاكّا ، أم عالما بمخالفة المخبر به مع الواقع ، ولا يشترط فيه علم المخبر بمطابقة المخبر به مع الواقع ، كما أنّه لا دخل لحالات المستمع من العلم والشكّ فيه ، ولا يوجب علمه بكذب المتكلّم خروج الجملة عن الاتّصاف بالخبريّة ، فإنّ ما يقال من أنّ الخبر يحتمل الصدق والكذب فهو باعتبار ذات الخبر مع قطع النظر عن علم المتكلّم وجهله ، أي من شأنه احتمال الصدق والكذب.
ثمّ استدلّ بأنّه لا بدّ في الجمل الخبريّة من الحكاية عن الواقعيّة النفسانيّة ، فإن كانت هي عبارة عن العلم والتصديق بثبوت مخبر به فهو لا يتحقّق إلّا في صورة واحدة من الصور الثلاثة ، فنكشف من ذلك تحقّق الصفة النفسانيّة التي نعبّر عنه بالكلام النفسي في جميع الصور المذكورة ، وكما أنّ ألفاظ الجملة في الاتّصاف بالخبريّة لا يكون مشروطا بشرط في الصور الثلاثة كذلك تتحقّق صفة نفسانيّة اخرى وراء العلم في الصور الثلاثة ، بلا فرق بين علم المتكلّم بمطابقة خبره مع الواقع وشكّه وعلمه بمخالفة خبره معه ، فتتحقّق للواقعيّة الخارجيّة ثلاث حالات ، وأمّا الواقعيّة النفسانيّة فتتحقّق حتّى للكاذب ، فلا بدّ