وأمّا الواقعيّة النفسانيّة المتحقّقة في الجمل الخبريّة ـ يعني اتّصاف المتكلّم بكونه عالما بالمطابقة أو عالما بالمخالفة أو شاكّا ـ فتحقّقها وإن كان مقطوعا ولم تكن قابلة للإنكار إلّا أنّها أيضا ليست بالكلام النفسي عند الأشاعرة ، فإنّهم صرّحوا بأنّ الكلام النفسي مغاير للعلم وزائد عليه ، على أنّهم صرّحوا بأنّ المتحقّق في جميع الجمل الخبريّة واقعيّة واحدة وصفة متّحدة المآل ، سواء كان المتكلّم صادقا أم كاذبا أم شاكّا ، فإن كان الكلام النفسي عبارة عن هذه الحالات الثلاث للمتكلّم واقعيّات ولا أقلّ من واقعيّتين ـ أي العلم والشكّ ـ كما هو المعلوم.
وأمّا الواقعيّة النفسانيّة الاخرى ـ يعنى واقعيّة الإرادة ـ فهي أيضا لا تكون كلاما نفسيّا.
وتدلّ عليه أدلّة متعدّدة : منها : تصريح الأشاعرة بأنّ كلام النفس مغاير للإرادة.
ومنها : أنّ منشأ الإدارة في الجمل الخبريّة عبارة عن أنّ التكلّم فعل من أفعاله الاختياريّة ، وكلّ فعل اختياري مسبوق بالإدارة ، فالتكلّم مسبوق بالارادة. ومن المعلوم أنّ هذا المنشأ يتحقّق في الخياطة والتجارة والكتابة أيضا ، فيكون الكلام النفسي في التاجر والخيّاط والكاتب أيضا متحقّقا حين الشروع ، مع أنّهم قائلون بانحصار الكلام النفسي في الجمل الخبريّة والإنشائيّة.
على أنّ الإرادة مسبوقة بالمبادئ ، وأوّل المبادئ التصوّر ، وهو قسم من العلم ؛ إذ العلم إن كان إذعانا للنسبة فتصوّر وإلّا فتصديق ، وقد مرّ آنفا أنّهم صرّحوا بأنّ الكلام النفسي مغاير للعلم وزائد عليه ، فلا تكون الواقعيّات