المتحقّقة المذكورة كلاما نفسيّا ، ولا ضرورة تقتضي الالتزام بتحقّق الكلام النفسي في الجمل الخبريّة ، ولا نقص فيها حتّى ينجبر بالتزام تحقّق الواقعيّة المجهولة باسم الكلام النفسي.
وأمّا في الجمل الإنشائيّة الطلبيّة فكان للكلام النفسي عندهم اصطلاح خاصّ ، وهو الطلب ، فاستدلّ هاهنا بصورة السؤال عن المعتزلة بأنّ المولى إذا قال لعبده : «جئني بالماء» فما هي الصفة النفسانيّة المتحقّقة في الجمل الإنشائيّة الطلبيّة؟ فلا محالة تقول المعتزلة : هي عبارة عن الإرادة المتعلّقة بتحقّق المأمور به في الخارج عن المكلّف.
وجوابه : أنّ الجمل الإنشائيّة الطلبيّة قد تتحقّق بدون أن تكون إرادة المولى متعلّقة بتحقّق المأمور به في الخارج كما في الأوامر الاختياريّة ؛ إذ لا شكّ في تحقّق الأمر فيها ، ويكون إطلاق الأمر عليها على نحو الحقيقة لا على سبيل التجوّز والمسامحة ، ومع ذلك لا تتحقّق فيها الإرادة النفسانيّة المذكورة.
وهكذا في الأوامر الاعتذاريّة ؛ إذ لا يريد فيها تحقّق المأمور به ، بل المراد رفع لوم الناس في ضرب المأمور ومؤاخذته باعتذار أنّه قد عصاه ، فالطلب في صورتي الاختبار والاعتذار موجود بدون الإرادة ، مع أنّها أمر حقيقي ويجري عليها ما يجري على الأوامر الأخر من استحقاق العقوبة وأمثاله.
فيستفاد من ذلك أنّ غير الإرادة المتحقّقة في بعض الأوامر تتحقّق صفة نفسانيّة اخرى في جميع الأوامر التي نسمّيها بالكلام النفسي ونعبّر عنه هاهنا بالطلب ، فالطلب مغاير للإرادة ، كما يدلّ عليها قول الشاعر :
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
فإنّ مقتضاه أنّ ظرف تحقّق الكلام الحقيقي عبارة عن النفس ، وأمّا الألفاظ