باختلاف الأغراض الداعية إلى التدوين».
والتزم بهذا المعنى قبله المرحوم مير سيّد شريف الجرجاني (١) وتبعه عدّة من العلماء ، منهم المحقّق الخراساني قدسسره ، ولا يذهب عليك أنّه يستفاد من صدر كلامه وذيله مطالب ونكات ، وهي كالآتي :
الأوّل : أنّ كلام المشهور عنده محلّ إشكال ، فإنّ لازم كلامهم كون كلّ مسألة علما على حدة كما بيّنا آنفا.
الثاني : أنّ نفس العلم عنده عبارة عن جملة من قضايا متشتّة يجمعها الاشتراك في الدخل في الغرض الذي لأجله دوّن هذا العلم ، فمسائل علم النحو ـ مثلا ـ متعدّدة ومتكثّرة ، ولكن يكون لها قدر مشترك ، وهو مدخليّة الجميع في صون اللسان عن الخطأ في المقال.
ومعلوم أنّه إذا كان مقصوده بيان معنى العلم فهذه مقدّمة لرأيه بأنّ تمايز العلوم تكون بتمايز الأغراض ؛ لأنّه إذا كان الجامع بين المسائل المدخليّة في الغرض فالجامع المشترك بينها هو الغرض الواحد ، وإذا كان الأمر كذلك فلا محالة يكون تمايز العلوم بتمايز الأغراض.
والحاصل : أنّ الملاك في اتّصاف مسألة بأنّها من مسائل علم النحو ـ مثلا ـ مدخليّتها في تحقّق الغرض ، فإن كان لها دخل في تحقّق الغرض فهي من مسائل علم النحو ، وإن لم يكن لها دخل فيه فلا تكون من مسائله.
الثالث : أنّ مقصوده من الغرض الواحد هو غرض التدوين الذي يوجب تحقّق المركّب الاعتباري ، لا غرض التعلّم والمتعلّم.
الرابع : أنّ العلم يتحقّق بالتدوين ، وإلّا لم يكن قبله إلّا مجموعة مسائل
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٥.