ومسبوق بها ، ولا بدّ لكلّ إرادة من المبادئ والمقدّمات ومن العنايات الإلهيّة إهداء خلّاقيّة الإرادة إلى نفس الإنسان ، فإنّه إذا تكلّم ساعة لا بدّ له من إرادة كلّ واحد من الألفاظ وإرادة معناه وهيئته وتركيبه مع لفظ آخر ، وكلّ ذلك يتحقّق سريعا بلحاظ خلّاقيّة النفس ، فيكون صدور هيئة «افعل» عن المولى فعلا اختياريّا له ومسبوقا بالإرادة.
إذا عرفت هذا فنرجع إلى أصل المسألة ، وأنّ هيئة «افعل» وضعت للبعث والتحريك الوجوبي ، أو الأعمّ منه ومن الندبي ، أو وضعت لكليهما بنحو الاشتراك اللفظي.
واستدلّ للأوّل بوجوه : الأوّل : التبادر ، قال المحقّق الخراساني قدسسره (١) : لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة.
الثاني : الانصراف الناشئ من كثرة الاستعمال.
الثالث : الاستفادة من الإطلاق ومقدّمات الحكمة ، وأنّ نتيجة الإطلاق الحمل على الوجوب ، فإنّه عبارة عن البعث والتحريك الاعتباري بدون قيد زائد ، بخلاف الندب ، كما مرّ عن المحقّق العراقي قدسسره في مادّة الأمر.
الرابع : أنّ هيئة «افعل» كانت إمارة عقلائيّة لكونها مسبوقة بالإرادة الحتميّة التي لا يرضى المولى بمخالفتها ، وهذا معنى الوجوب.
الخامس : أنّ صدور هيئة «افعل» من قبل المولى حجّة تامّة على الوجوب بحكم العقل والعقلاء ، فلا بدّ من إجابته بالإطاعة والامتثال.
وأمّا التبادر فنبحث فيه في مقامين : أحدهما : مقام الثبوت ، والآخر مقام الإثبات ، فنقول : هل يمكن وضع هيئة «افعل» في مقام الوضع للبعث
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ١٠٢.