أو عمليّة ؛ إذ يترتّب على كلّ علم غرض واقعيّ ، إلّا أنّ واقعيّة كلّ شيء بحسبه ، فكما أنّ للوجود الذهني واقعيّة كذلك للعلم والعرفان واقعيّة.
ولا يخفى أنّ صحّة تمايز العلوم بالأغراض يتوقّف على مقدّمتين : الاولى : أن يترتّب على كلّ علم غرض واحد. الثانية : ألّا يكون التمايز قبل الغرض بشيء آخر ، فإن تمّت هاتان المقدّمتان صحّ التمايز بالأغراض ، وإلّا فلا.
والرأي الآخر في المسألة : ما يستفاد من كلام الإمام ـ دام ظلّه ـ (١) وحاصل كلامه : كما أنّ منشأ وحدة العلوم إنّما هو بتسانخ القضايا المتشتّة التي يناسب بعضها بعضا ، فهذه السنخيّة والتناسب موجودة في جوهر تلك القضايا وحقيقتها ، ولا يحتاج إلى التعليل ، فهكذا تمايز العلوم واختلاف بعضها عن بعض يكون بذاتها ، فقضايا كلّ علم مختلفة ومتميّزة بذواتها عن قضايا بقية العلوم ، وبعد الإيراد على مبنى المشهور وصاحب الكفاية قال : أنت ترى التناسب الواقع بين مرفوعيّة الفاعل ومنصوبيّة المفعول ، ولا يكون هذا التناسب بين أحد منهما وبين المسائل الرياضيّة أو العقليّة ، وهكذا مباحث سائر العلوم التي في أيدينا ، فتكون جهة التوحّد والتمايز تسانخ القضايا وتمايزها بالطبع ، والسنخيّة ذاتيّة ، والذاتي لا يعلّل. وتداخل العلوم في بعض المسائل لا يوجب أن يكون التميّز بالأغراض ؛ إذ السنخيّة موجودة مع قطع النظر عن الغرض ، ولا يبعد أن تكون المسألة الاصوليّة مسألة لغويّة أيضا ، مثل : مسألة دلالة الأمر على الوجوب ، فإنّ سنخيّة مسألة مع مسائل علم لا ينفي سنخيّته مع مسائل علم آخر ، مع أنّه قليلا ما يتّفق التداخل في علمين ، ولا يكون ذلك بين جميع مسائل العلمين.
__________________
(١) تهذيب الاصول ١ : ٩ ـ ١٠.