أحد المراجع ـ مثلا ـ شخصا بالسفر إلى مكّة وهو غير قادر على ذلك ، ولكن لهذا الأمر جهّزه المتديّنون بالزاد والراحلة ، وهذا كاف في تحقّق القدرة ، فنحن سلّمنا أنّه لا يعقل تحقّق قصد الأمر بدون الأمر في الخارج ، ولكنّ الأمر بشيء لا يتوقّف على تحقّق القدرة عليه قبله ؛ إذ لا مانع من تحقّق القدرة بعد الأمر أيضا.
ومن أدلّتهم أيضا اجتماع اللحاظين الاستقلالي والآلي في آن واحد في شيء واحد ، توضيح ذلك : أنّه لا بدّ للمولى حين الأمر من لحاظ الأمر والمأمور به ، ومن المعلوم أنّ لحاظ الأمر يكون لحاظا آليّا ؛ لأنّه وسيلة لتحقّق المأمور به ، وأمّا لحاظ المأمور به بجميع الأوصاف والخصوصيّات فيكون لحاظا استقلاليّا ، فإذا كان قصد الأمر داخلا في المتعلّق فلا بدّ من ملاحظة المضاف والمضاف إليه مستقلّا ، فالأمر تعلّق به لحاظان : لحاظ آلي ولحاظ استقلالي ، والجمع بين اللحاظين في آن واحد مستحيل ذاتا.
وجوابه : سلّمنا أنّ الأمر بما أنّه وسيلة لتحقّق المأمور به يتعلّق به لحاظ آلي ، وبما أنّه جزء المتعلّق يتعلّق به لحاظ استقلالي ، ولكن لا يكون اللحاظان في آن واحد ، فإنّه ملحوظ بالاستقلال في رتبة المتعلّق وملحوظ بالآليّة في رتبة نفسه ، ولا استحالة في البين.
والمهمّ من الأدلّة ما ذكره المحقّق النائيني قدسسره (١) في المقام ، ومحصّل كلامه : أنّ القضايا إمّا طبيعيّة وإمّا حقيقيّة وإمّا خارجيّة ، والطبيعيّة ما كان الموضوع فيها عبارة عن الماهيّة مثل «الإنسان حيوان ناطق» ، والحقيقيّة ما كان الموضوع فيها عبارة عن الأفراد ، سواء كان الأفراد محقّقة الوجود أو مقدّرة الوجود ،
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ١٠٦ ـ ١٠٨.