والخارجيّة ما كان الموضوع فيها عبارة عن أفراد محقّقة الوجود ، ولكنّ نوع القضايا المتضمّنة لبيان الأحكام الشرعيّة قضايا حقيقيّة ، مثل «المستطيع يجب عليه الحجّ» ، إلّا أنّ القضايا الحقيقيّة ترجع إلى قضايا شرطيّة مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له ، وقولنا : «المستطيع يجب عليه الحجّ» يرجع إلى قولنا : «إذا وجد في الخارج شخص وصدق عليه أنّه مستطيع وجب عليه الحجّ» ، وكلّ قيد في القضايا الحقيقيّة إذا اخذ مفروض الوجود في الخارج ـ سواء كان اختياريّا كالعهد والنذر والاستطاعة أم كان غير اختياري كالوقت والبلوغ ـ يستحيل تعلّق التكليف به ، ومن البديهي أنّ مثل هذه القيود إذا اخذت في مقام الجعل فلا محالة أنّها اخذت مفروضة الوجود في الخارج ؛ بأنّ المولى فرض وجودها أوّلا ثمّ جعل الحكم عليها ، فمثل قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) ونحوه يرجع إلى أنّه إذا فرض وجود عقد في الخارج يجب الوفاء به ، لا أنّه يجب على المكلّف إيجاد عقد في الخارج والوفاء به ، ومثل قوله : «إذا زالت الشمس فصلّ» يرجع إلى أنّه متى تحقّق وقت الزوال ـ مثلا ـ فالصلاة واجبة ، لا وجوب الصلاة ووجوب تحصيل الوقت.
والحاصل : أنّ كلّ قيد إذا اخذ في مقام الجعل مفروض الوجود فلا يعقل تعلّق التكليف به ، سواء كان اختياريا أم لا ، ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ قصد الأمر إذا اخذ في متعلّقه فلا محالة يكون الأمر موضوعا للتكليف ومفروض الوجود في مقام الإنشاء ، فيلزم عندئذ كون الأمر مفروض الوجود قبل وجود نفسه وتحقّق شيء في رتبتين ـ أي رتبة المتعلّق بما أنّه جزء ورتبة نفسه ـ ومرجعه إلى اتّحاد الحكم والموضوع.
__________________
(١) المائدة : ١.