وبالنتيجة إن اخذ داعي الأمر متعلّقه يستلزم اتّحاد الحكم والموضوع في مقام الجعل ، وتوقّف الشيء على نفسه في مقام الفعليّة ، وكلاهما مستحيل وكان في كلام المحقّق النائيني قدسسره نقاط إبهام.
الاولى : أنّ ادّعاء كون نوع القضايا المتضمّنة لبيان الأحكام الشرعيّة بصورة القضايا الحقيقيّة ليس بصحيح ، فإنّ القضيّة الحقيقيّة عبارة عن القضيّة الحمليّة الخبريّة ، وهذا لا ينطبق على أكثر أدلّة العبادات والمعاملات ، مثل قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(١) ، (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٢) ، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً)(٣) ، وأمثال ذلك.
الثانية : أنّه على فرض تسليم كون الأدلّة المذكورة بصورة القضايا الحقيقيّة ولكنّ ما ذكره ثانيا من أنّ القضايا الحقيقيّة ترجع إلى القضايا الشرطيّة ليس بصحيح ؛ إذ يمكن إرجاع بعض القضايا الحقيقيّة إلى الشرطيّة كالمثال المذكور في كلامه قدسسره يعني المستطيع يجب عليه الحجّ ، بقولنا : «أيّها المكلّفون ، إذا استطعتم يجب عليكم الحجّ» ، وأمّا سائر الأدلّة ، مثل : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فلا يمكن إرجاعها إلى القضيّة الشرطيّة ؛ إذ لا يتصوّر فيها الشرط والجزاء والمقدّم والتالي.
ومن هنا نستكشف قاعدة كلّيّة لإرجاع القضايا الحقيقيّة إلى الشرطيّة ، وهي أنّ كلّ قضيّة كان المكلّف فيها معنونا بعنوان خاصّ لا مانع من إرجاعها إلى الشرطيّة ، مثل : قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
__________________
(١) البقرة : ٤٣.
(٢) المائدة : ١.
(٣) الاسراء : ٣٤.