بالمعنى الذي ذكرناه فلا إشكال في البين بوجه ، ولا مانع من قول الشارع بأنّ الصلاة تجب عليكم ، أو أقيموا الصلاة بشرط أن يكون الإتيان بها بإحدى الدواعي الإلهيّة المذكورة ، والمكلّف أيضا قادر في مقام الامتثال على إتيانها كذلك.
وأمّا الجواب عن فرضه الثاني فإنّ الأمر متعلّق بجزءين أحدهما : عبارة عن الصلاة ، والآخر : عبارة عن إحدى الدواعي الإلهيّة المذكورة ، وإن كان كذلك فكيف يلزم أن يكون الداعي داعيا إلى نفسه بعد أن لا يكون الأمر داعيا أصلا؟! فلا استحالة في كلا الفرضين.
وأمّا قوله بأنّ القصد يكون بمعنى الإرادة وهي ليست من الامور الاختياريّة ، فلذا لا يمكن أخذ قصد الامتثال في المتعلّق ، فجوابه : أنّه لا شكّ في أنّ الإرادة ـ كما مرّ وسيأتي أيضا في المباحث الآتية ـ أنّها تكون من الامور الاختياريّة ، وأنّ نفس الإنسان بواسطة عناية الرحمن كانت مظهرة لخلّاقيّة الله تعالى بالنسبة إلى الإرادة ، وإن شككنا في اختياريّة الإرادة فلا بدّ من التشكيك في الأفعال أيضا.
وأجاب المحقّق الحائري قدسسره (١) صاحب الكفاية بجوابين ، ومحصّل جوابه الأوّل أنّه ذكر في الابتداء بعنوان المقدّمة : أنّ متعلّق الحكم سواء كان حكما تكليفيّا أو وضعيّا على قسمين : أحدهما : ما ليس للقصد دخل في تحقّقه أصلا ، بل لو صدر عن الغافل لصدق عليه عنوانه ، مثل عنوان الإتلاف في قاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن».
وثانيهما : ما يكون قوامه في الخارج بالقصد كالتعظيم والإهانة وأمثالهما.
__________________
(١) درر الفوائد ١ : ٩٥ ـ ٩٧.