قرينة على التقييد ، فنسأل حينئذ أنّ المراد من التقييد هاهنا التقييد بقيد وجودي أو عدمي؟ فهل يمكننا إثبات الكفريّة من إطلاق «اعتق رقبة» لكون الكفر عبارة عن عدم الإيمان ونفي قيد الإيمان؟ ولا شكّ في أنّ المراد من عدم نصب القرينة على التقييد في هذه المقدّمة من مقدّمات الحكمة أعمّ من القيد الوجودي والعدمي ، ونتيجة الإطلاق مطلق الوجوب وإثبات المقسم ونفي أيّ نوع من القيود ، سواء كان القيد وجوديّا أم عدميّا ، ولا يستفاد منه النفسيّة كما لا تستفاد الغيريّة.
وأمّا احتياج القيد الوجودي إلى مئونة زائدة وعدم احتياج العدمي إليها فلا يعقل أن يكون دليلا لإثبات أحد القيدين ونفي الآخر بسبب الإطلاق ، وهكذا في الواجب التعييني والعيني في مقابل الواجب التخييري والكفائي.
نعم ، يمكننا إثبات النفسيّة من الإطلاق بطريق آخر ، وهو أنّه لا بدّ في دوران الأمر بين النفسيّة والغيريّة من دليلين ؛ أحدهما مشكوك فيه من هذه الجهة ، مثلا : نعلم أنّ الوضوء واجب غيري ـ أي يرتبط وجوبه بوجوب الصلاة ـ أو نفسي لا يرتبط به ، فإن كان غيريّا يكون الوضوء شرطا للصلاة ، وحينئذ يكون الارتباط من الطرفين ، فكما أنّ وجوب الوضوء متوقّف على وجوب الصلاة كذلك صحّة الصلاة متوقّفة على تحقّق الوضوء.
وبالنتيجة يرجع الشكّ في نفسيّة وجوب الوضوء وغيريّته إلى أنّ الوضوء شرط للصلاة أم لا يكون شرطا لها ، فتجري أصالة الإطلاق المربوطة بمادّة الصلاة وتنفى الشرطيّة كما في سائر الشرائط ، وإذا لم يكن شرطا فلم يكن وجوبا غيريّا ، فوجوبه نفسي. وهذا الطريق لا يجري في إثبات العينيّة والتعيينيّة ؛ إذ ليس فيهما من الدليلين أثر ولا خبر.