ويمكن أن يتوهّم أنّ هذا المعنى يجري في دوران الأمر بين الواجب التعييني والتخييري أيضا ، فإنّ الملاك المذكور ـ أي المواجهة مع الدليلين ـ هاهنا أيضا متحقّق ، وأحد الدليلين أوجب شيئا ، والدليل الآخر أوجب شيئا آخر ، ونشكّ في أنّ وجوبهما تخييري أو تعييني ، فتجري أصالة الإطلاق ويستفاد منها التعيينيّة.
ولكنّه مدفوع بأنّ مجرّد تحقّق الدليلين لا يكفي في استفادة التعيينيّة ، بل يعتبر أن يكون إطلاق أحد الدليلين منوطا بالمتعلّق والآخر بالهيئة كما تحقّق في دوران الأمر بين الواجب النفسي والغيري ، وأمّا الإطلاقان القابلان للتمسّك هاهنا فكلاهما منوطان بالهيئة ، ومن حيث قابليّة التمسّك وعدمها أيضا متساويان ، فإن لم يكن أحدهما قابلا لإثبات التعيينيّة وثانيهما أيضا كان كذلك.
وتمسّك بعض بالتبادر وقال : إنّ المتبادر من هيئة «افعل» هو الوجوب المقيّد بقيد النفسيّة والتعيينيّة والعينيّة ، ومعلوم أنّ التبادر علامة الحقيقة.
وجوابه : أنّ لازم ذلك أن يكون استعمال هيئة «افعل» في الواجب الغيري والتخييري والكفائي استعمالا مجازيّا ، كما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ)(١) مع أنّه لا يمكن الالتزام به أصلا.
ومن الطريق التي يتمسّك بها لإثبات النفسيّة والتعيينيّة والعينيّة الانصراف الناشئ من كثرة الاستعمال ، ومن البديهي أنّ كثرة استعمال هيئة «افعل» في هذه المعاني إن كان بحدّ يوجب الانصراف إليها يكون قابلا للاستناد في المقام ،
__________________
(١) المائدة : ٦.