ـ كالصلاة والزكاة مثلا ـ وأمّا الواجبات المضيّقة ـ كالصوم ـ فلا معنى للفوريّة فيها ، فيبقى تحت الآيتين عدّة من الواجبات كالحجّ والجهاد في سبيل الله خصوصا إن كان دفاعيّا ، وعلى هذا إن حملنا الآيتين مع عمومهما على الوجوب يلزم تخصيص الأكثر ، وهو مستهجن ، مع أنّ لحن الآيتين وسياقهما آب عن التخصيص ، ولا يكون قابلا له ، فلا محالة يتعيّن القول بعدم دلالة الآيتين على الوجوب ؛ لدفع هذه المحذورات ، وإن دلّتا من حيث الهيئة على الوجوب.
وأشكل على الاستدلال بآية (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) بأنّه سلّمنا أنّ هيئة الأمر وضعت للبعث والتحريك الوجوبي ، إلّا أنّ هاهنا قرينة عقليّة تمنع من حملها عليه ؛ إذ الاستباق والتقدّم بالنسبة إلى الخيرات لا بالنسبة إلى المكلّفين ، فكأنّه يقول : «قدّموا بعض الخيرات على بعض» ، والملاك في التقديم عبارة عن نفس الاتّصاف بالخيريّة ونفس انطباق عنوان الخير ، ولم تلاحظ في الآية المراتب الشديدة والضعيفة ، وليس ملاك الاستباق كون الخير في المرتبة القويّة ، بل الملاك نفس الاشتراك في الخيريّة.
وأمّا في مقام العمل فلا محالة يتحقّق التقدّم والتأخّر ؛ إذ المفروض عدم إمكان الجمع بين جميع الخيرات في آن واحد ، وإذا كان الأمر كذلك فالسؤال المطروح : ما مزيّة المتقدّم على المتأخّر وما نقص المتأخّر بالنسبة إلى المتقدّم ، مع أنّهما مشتركان في أصل الملاك ، وصدق عنوان الخيريّة عليهما سواء؟ وعلى هذا إن حملنا الهيئة في الآية على وجوب الاستباق يلزم من وجوب الاستباق إلى الخير الأوّل عدم وجوب الاستباق إلى الخير الثاني ، فيلزم من وجوده عدمه ، وهو محال ، وهذه القرينة العقليّة توجب رفع اليد عن مفاد الهيئة.