ولا شكّ في أنّ الأوّل من الدلالة اللفظيّة ، ولكنّ الثاني مختلف فيه.
وبعد هذا التمهيد يتّضح تقريب الاستدلال بالدلالة الالتزاميّة ، فيقال : إنّ الأمر يدلّ بالدلالة الالتزاميّة على وجود مصلحة ملزمة في المأمور به ، وهي أوجب في صدور الأمر عن المولى ، وإذا تحقّق المأمور به في الخارج تتحقّق المصلحة الملزمة أيضا ، فلا يبقى محلّ للإعادة والقضاء في الوقت أو في خارج الوقت.
ولكنّه لا يخفى أنّ صحّة هذا الكلام مبتنية على أمرين : أحدهما : أن يدلّ الأمر بالدلالة الالتزاميّة على تحقّق المصلحة في المأمور به.
وثانيهما : أن يكون البيّن بالمعنى الأعمّ أيضا من الدلالة اللفظيّة. وكلاهما مخدوش :
أوّلا : بأنّ عدّة من العلماء ينكرون أساس المصلحة والمفسدة كالأشاعرة ، فللمولى عندهم أن ينهى عن شيء من دون أن يكون هذا الشيء مشتملا على المفسدة ، أو تكون في النهي مصلحة ، وهكذا في المأمور به.
وثانيا : أنّ على القول بوجود المصلحة والمفسدة في المأمور به والمنهي عنه ، وأنّ الأمر يدلّ على وجود مصلحة في البين ، ولكنّه مردّد بين أن يكون في المأمور به وبين أن يكون في نفس الأوامر ، مثل : الأوامر الاختباريّة والاعتذاريّة ، كما أنّ في النواهي تكون مردّدة بين تحقّقها في المنهي عنه وبين تحقّق المصلحة في نفس النهي ، فكيف يوجب تصوّر الأمر الانتقال إلى المصلحة الملزمة المتحقّقة في المأمور به؟! ولو فرضنا أنّ الأمر يدلّ على وجود مصلحة ملزمة في المأمور به وأنّ اللزوم بين الأمر والمصلحة يكون بنحو البين بالمعنى الأعمّ فلا يتمّ المطلوب أيضا ؛ لعدم إحراز كونه من الدلالة اللفظيّة ،