فيكون عنوان صاحب الكفاية خاليا عن الإشكالات المذكورة ، وأولى من عنوان صاحب الفصول.
ولا بدّ لنا قبل الورود في البحث من تحرير محلّ النزاع حتّى يظهر أنّ هذا المبحث هل يكون من المباحث العقليّة أو من مباحث الألفاظ ، أو قسم منه عقلي والقسم الآخر منه لفظي؟ وهو يحتاج إلى مقدّمة ، وهي أنّ الأوامر على ثلاثة أقسام : الأوّل : الأمر الواقعي الأوّلي أو الاختياري ، الثاني : الأمر الواقعي الثانوي أو الاضطراري ، الثالث : الأمر الظاهري.
وتتحقّق في الأوّل خصوصيّتان : الاولى : كون المكلّف مختارا ، الثانية : كون المكلّف قاطعا بالتكليف وكونه عالما بأنّ وظيفته كذا ، كقول الشارع : «أقم الصلاة مع الوضوء إن كنت واجدا للماء».
ويتحقّق في الثاني الخصوصيّة الثانية المذكورة بخلاف الاولى ؛ إذ المكلّف لا يكون متمكّنا من الماء أو لا يكون متمكّنا من الاستفادة منه لاستلزامه الضرر أو الحرج ، ولكنّه كان عالما بالتكليف في هذه الحالة ، كقوله : «أقم الصلاة مع التيمّم إن كنت فاقدا للماء».
وأمّا الأمر الظاهري فيتحقّق في مورد الشكّ في التكليف ، مثلا : لا نعلم أنّ الواجب ظهر يوم الجمعة صلاة الجمعة أو صلاة الظهر؟ وجعل الشارع في مثل هذا المورد طرقا وأمارات واصولا لتعيين وظيفة المكلّف ، كجعله خبر العادل حجّة بمقتضى آية النبأ ، فإذا نقل زرارة عن الصادقين عليهماالسلام أنّ في يوم الجمعة صلاة الجمعة واجبة ، فكانت هذه وظيفة ظاهريّة مقرّرة للجاهل من دون أن تكون مزيلة لجهله ، وهكذا إن استفدناها من الاستصحاب بأنّ صلاة الجمعة في عصر حضور الإمام المعصوم عليهالسلام كانت واجبة يقينا فنشكّ في عصر الغيبة