الرأي الرابع : ما ذكره المحقّق النائيني قدسسره (١) من أنّ الموارد التي توهم وقوع التضادّ بين الأحكام الظاهريّة والواقعيّة على أنحاء ثلاثة :
أحدها : موارد قيام الطرق والأمارات المعتبرة على الخلاف.
ثانيها : موارد مخالفة الاصول المحرزة للواقع ، والمراد منها ما يكون الموضوع فيها هو الشكّ المسبوق بحالة سابقة متيقّنة كالاستصحاب.
ثالثها : موارد تخلّف الاصول غير المحرزة عن الواقع ، والمراد منها ما يكون الموضوع فيها نفس الشكّ في الواقع كالبراءة.
والتفصّي عن الإشكال يختلف حسب اختلاف المجعول في هذه الموارد الثلاثة ، ويختصّ كلّ منها بجواب يخصّه ، فينبغي إفراد كلّ منها بالبحث.
فنقول : أمّا في باب الطرق والأمارات فليس المجعول فيها حكما تكليفيّا حتّى يتوهّم التضادّ بينه وبين الحكم الواقعي ، بناء على ما هو الحقّ عندنا ، من أنّ الحجّية والطريقيّة من الأحكام الوضعيّة المتأصّلة بالجعل وممّا تنالها يد الوضع والرفع ابتداء ، ... ومنها الطريقيّة والوسطيّة في الإثبات ، فإنّها بنفسها ممّا تنالها يد الجعل ولو إمضاء ؛ إذ ليس فيما بأيدينا من الطرق والأمارات ما لا يعتمد عليه العقلاء في محاوراتهم وإثبات مقاصدهم ، بل هي عندهم كالعلم لا يعتنون باحتمال مخالفة الطريق للواقع ... ولا بدّ في الأمارة من أن يكون لها جهة كشف عن الواقع كشفا ناقصا ، فللشارع تتميم كشفها ولو إمضاء بإلقاء احتمال الخلاف في عالم التشريع ، كما ألقى احتمال الخلاف في العلم في عالم التكوين ؛ فكأنّ الشارع أوجد في عالم التشريع فردا من العلم ، وجعل الطريق محرزا للواقع كالعلم ، بتتميم نقص كشفه وإحرازه ، ولذا قامت الطرق
__________________
(١) فوائد الاصول ٣ : ١٠٥ ـ ١٠٨.