والأمارات مقام العلم المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقيّة.
وإذا عرفت حقيقة المجعول في باب الطرق والأمارات وأنّ المجعول فيها نفس الوسطيّة في الإثبات ظهر لك أنّه ليس في باب الطرق والأمارات حكم حتّى ينافي الحكم الواقعي ليقع في إشكال التضادّ أو التصويب ، بل ليس حال الأمارة المخالفة إلّا كحال العلم المخالف ، فلا يكون في البين إلّا الحكم الواقعي فقط مطلقا ، أصاب الطريق الواقع أو أخطأ ، فإنّه عند الإصابة يكون المؤدّى هو الحكم الواقعي كالعلم الموافق ، ويوجب تنجيز الواقع وصحّة المؤاخذة عليه ، وعند الخطأ وعدم الإصابة يوجب المعذوريّة وعدم صحّة المؤاخذة عليه كالعلم المخالف من دون أن يكون هناك حكم آخر مجعول. هذا ملخّص كلامه قدسسره.
ويتحقّق في هذا الكلام ما يكون صحيحا عندنا من عدم تحقّق حكم تكليفي مجعول على طبق مفاد الطرق والأمارات ، وأنّه ليس فيما بأيدينا من الطرق والأمارات ما لا يعتمد عليه العقلاء في محاوراتهم.
ولعلّه يستفاد من صحيحة أبي يعفور الواردة في معنى العدالة أنّ حسن الظاهر أمارة معتبرة شرعيّة لإحراز العدالة وإن لم يفد المظنّة ، مع أنّه لا يكون معتبرا عند العقلاء ظاهرا ، وعلى هذا تكون النسبة بين الأمارة الشرعيّة والعقلائيّة عموم من وجه.
ولكن مع ذلك يرد عليه : أوّلا : أنّ عطف الطريقيّة والكاشفيّة على الحجّية ليس بصحيح ، فإنّ الحجّية قابلة للجعل بخلافهما ، فإنّهما من الامور التكوينيّة ، وما هو حاصل تكوينا لا معنى لجعله الشرعي لارتباطه كحرارة النار بالخالقيّة ، فالأثر التكويني للقطع والظنّ هو الكشف التامّ أو الناقص ، وهكذا