عنوان الوسطيّة في الإثبات.
وثانيا : أنّ مقايسة الأمارة الشرعيّة بالقطع ليست بصحيح ، فإنّ العمل بالعلم المخالف للواقع إنّما هو ضرورة يبتلى بها المكلّف لقصور منه ، ويكون معذورا عقلا في مخالفة الواقع ، ولا يرتبط بجعل الحجّية للقطع من الشارع ، وهذا بخلاف جعل الحجّية للأمارة المخالفة للواقع ولو إمضاء ، فإنّه ينتهي إلى ترخيص من الشارع في مخالفة الأحكام الواقعيّة الفعليّة كما ذكرناه في جواب المحقّق الخراساني قدسسره ، فكيف يكون هذا قابلا للتوجيه؟!
وأمّا الاصول المحرزة فقال قدسسره : فالأمر فيها مشكل ، وأشكل منها الاصول غير المحرزة كأصالة الحلّ والبراءة ، فإنّ الاصول بأسرها فاقدة للطريقيّة لأخذ الشكّ في موضوعها ، والشكّ ليس فيه جهة إراءة وكشف عن الواقع حتّى يقال : إنّ المجعول فيها تتميم الكشف ، فلا بدّ وأن يكون في مورد الاصول حكم مجعول شرعي ، فيلزمه التضادّ بينه وبين الحكم الواقعي عند مخالفة الأصل له.
هذا ، ولكنّ الخطب في الاصول التنزيليّة هيّن ؛ لأنّ المجعول فيها هو البناء العملي على أحد طرفي الشكّ على أنّه هو الواقع وإلغاء الطرف الآخر وجعله كالعدم ، ولأجل ذلك قامت مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقيّة ... فالمجعول في الاصول التنزيليّة ليس أمرا مغايرا للواقع ، بل الجعل الشرعي إنّما تعلّق بالجري العملي على المؤدّى على أنّه هو الواقع ، كما يرشد إليه قوله عليهالسلام في بعض أخبار قاعدة التجاوز «بلى قد ركعت» (١) ، فإن كان المؤدّى هو الواقع فهو ، وإلّا كان الجري العملي واقعا في غير محلّه من دون أن يكون قد تعلّق بالمؤدّى حكم على خلاف ما هو عليه.
__________________
(١) الوسائل ٦ : ٣١٧ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٣.