إذا عرفت هاتين المقدّمتين فنقول : إنّ الشهرة الفتوائيّة بين القدماء تندرج في قوله عليهالسلام : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» ؛ لأنّ المتعارف لديهم كان نقل الرواية في مقام الفتوى ، فكانت متون الروايات فتاواهم ، وقلنا : إنّ اشتهار الرواية بحسب الفتوى بين الأصحاب القدماء يجعل الرواية ممّا لا ريب فيه ، ويجب الأخذ بمفاده ، ولا يصحّ القول بورود المقبولة في الشهرة الروائيّة ؛ إذ يمكن أن تكون الرواية مشهورة بين الأصحاب من حيث النقل ، ولكن بلحاظ صدورها في مقام التقيّة ـ مثلا ـ لا يكون مفادها قابلا للأخذ ، مع أنّ أمر الإمام عليهالسلام بأخذ الحكم ومفاد الرواية المشهورة دليل على أنّ المراد منها الشهرة الفتوائيّة ، فالرواية المشهورة بحسب الفتوى لا ريب في أنّ مفادها نظر المعصوم عليهالسلام. هذا ما تدلّ عليه المقبولة سؤالا وجوابا.
ويرد عليه : أوّلا : أنّ اشتمال ذيل المقبولة على السؤال والجواب الآخر ينفي هذا الاستدلال ، وهو قوله : فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال عليهالسلام : «ينظر ، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة». (١)
توضيح ذلك : أنّ اتّصاف الروايتين المعروفتين بالشهرة ممّا يمكن أن يتحقّق كلتاهما معا بنقل كثير من الأصحاب ؛ إذ لا إشكال في نقل شخص واحد للروايتين المتعارضتين ، وأمّا الشهرة الفتوائيّة فإن كانت بمعنى فتوى الأكثر فلا يمكن تحقّق الشهرتين المتعارضتين في مسألة واحدة ، وإن كانت بمعناها اللغوي ـ أي الوضوح كقولنا : شهر فلان سيفه ـ فلا مانع أن تتحقّق في مسألة واحدة شهرتان متعارضتان ، ولذا نرى في كلام الأعاظم التعبير بأنّ هذا مشهور
__________________
(١) المصدر السابق.