وجوابه : أنّ منشأ الانصراف إمّا كثرة الاستعمال وإمّا كثرة الوجود ، وكلاهما منتفيان في المقام ، بل الأمر بالعكس ؛ لتحقّقهما في الإخبار مع الواسطة ، فدعوى الانصراف لا منشأ له.
وعلى فرض تسليم انصراف الأدلّة عن الإخبار مع الواسطة إنّما نسلّمه فيما إذا كانت الوسائط كثيرة جدّا ، لا فيما كانت الوسائط قليلة ، فإنّا نقطع بصدور الأخبار الواصلة إلينا في الكتب الأربعة من المشايخ ، ولا نحتاج في إثبات صدور تلك الأحاديث عنهم إلى أدلّة الحجّية ، فتبقى في البين الوسائط الموجودة بينهم وبين الأئمّة عليهمالسلام ، ومن المعلوم أنّ هذه الوسائط ليست بتلك الكثرة بحيث توجب انصراف الأدلّة عنها.
على أنّ الانصراف يتحقّق في الأدلّة اللفظيّة ، والدليل المهمّ لحجّية الخبر ـ كما سيأتي ـ هو بناء العقلاء بضميمة عدم ردع الشارع عنه ، فلا يتحقّق الانصراف فيه ، والاقتصار بالقدر المتيقّن في الدليل اللبّي إنّما يكون في مورد الشكّ ، ولا شكّ لنا في تحقّق بناء العقلاء في الإخبار مع الواسطة كالإخبار بلا واسطة.
الوجه الثاني : أنّ أدلّة حجّية الخبر لا تشمل كلّ خبر جاء به العادل ، بل يتوقّف على أن يكون المخبر به حكما شرعيّا أو ذا أثر شرعي ؛ لأنّ التعبّد بحجّية الخبر فيما لم يكن المخبر به حكما شرعيّا ولا ذا أثر شرعي لغو محض. وعليه فالأدلّة لا تشمل الإخبار مع الواسطة ، فإذا قال الشيخ الطوسي ـ مثلا ـ حدّثني المفيد ، قال : حدّثني الصدوق ، قال: حدّثني ابن الوليد ، قال : حدّثني الصفّار ، قال : كتبت إلى الإمام الحسن العسكري عليهالسلام ... ، فدليل الحجّية لا يشمل مثل إخبار الشيخ عن خبر المفيد ؛ لأنّ المخبر به ـ وهو خبر المفيد ـ