الوجه الثاني : إنّا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ، ولا سيّما الواجبات الضروريّة، مثل : الصلاة والصوم والحجّ والزكاة وغيرها ، ومعلوم أنّ أجزاء هذه الواجبات وشرائطها وموانعها لا تثبت إلّا بالأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة ، ولو لم يكن الخبر الواحد حجّة وجاز ترك العمل به لخرجت هذه الواجبات عن حقائقها ، وهذا ينافي كون تلك الواجبات ضروريّة وبقاء التكليف بها إلى يوم القيامة.
وفيه : أنّ مقتضى هذا الوجه أيضا هو وجوب العمل بكلّ خبر دلّ على الجزئيّة والشرطيّة من باب حكم العقل بلزوم الاحتياط للعلم الإجمالي ، لا من باب أنّه حجّة يخصّص به العمومات ويقيّد به المطلقات كما هو محلّ البحث.
الوجه الثالث : ما حكي عن المحقّق صاحب الحاشية على المعالم قدسسره (١) من أنّا نعلم بلزوم الرجوع إلى السنّة والعمل بها ؛ لحديث الثقلين الثابت تواتره عند العامّة والخاصّة ، وحينئذ فإن أمكن إحراز السنّة بالعلم فهو ، وإلّا فلا بدّ من التنزّل إلى الظنّ والعمل بما يظنّ صدوره منهم عليهمالسلام.
وفيه : إن كان المقصود من السنّة نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره فالوجوب الرجوع إليها وإن كان ثابتا بالأدلّة القطعيّة بلا ريب ، إلّا أنّ هذا المعنى لا يرتبط بما هو محلّ الكلام من حجّية خبر الواحد الحاكي عن السنّة.
وإن كان المقصود منها الأخبار الحاكية عن السنّة ففيه : أنّ وجوب الرجوع إليها والعمل بها هو أوّل الكلام ، إلّا أن يدّعى العلم الإجمالي بصدور كثير منها ، أو يدّعى العلم الإجمالي بوجود أحكام كثيرة فعليّة في مضامينها بحيث
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤.