وفيه : أوّلا : أنّه لا يوجد في الآية ما يدلّ على تقييد العذاب بالدنيوي عدا استعمال فعل الماضي في قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) ، إلّا أنّ سياقه ليس هو الإخبار عن الامم السابقة ، بل سياقه نفي الشأنيّة ، حيث ليس من شأنه تعالى أن يعذّب الناس قبل البيان وإتمام الحجّة ، وهذه سنّة الله من دون فرق بين الامم السابقة واللّاحقة ولا بين الدّنيا والآخرة.
وثانيا : أنّ الآية الشريفة تناسب إرادة معنى عاما بلحاظ وقوعها بين الآيات الدالّة على العذاب الاخروي والدنيوي ، فإنّ الآية المتقدّمة عليها قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً* اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)(١).
والآية المتأخّرة عنها قوله تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً)(٢) ، فتكون الآية الشريفة صالحة للاستدلال بها بلحاظ إرادة المعنى العام منها.
وثالثا : سلّمنا أنّ المراد من الآية هو الإخبار عن عدم وقوع العذاب على الامم السابقة في الدنيا إلّا بعد البيان بقرينة التعبير بلفظ الماضي ، إلّا أنّ دلالة الآية على نفي العذاب الاخروي ـ الذي هو أشدّ بمراتب من العذاب الدنيوي ـ ستكون بطريق أولى ، وبالأولويّة التي يستفادها العقل والعرف يتمّ المطلوب.
الوجه الثاني : ما عن المحقّق الخراساني قدسسره (٣) من أنّ صحّة التمسّك بالآية مبنيّة على عدم استحقاق العقاب الذي هو ملاك البراءة ، ولكنّها لا تدلّ إلّا
__________________
(١) الإسراء : ١٣ ـ ١٤.
(٢) الإسراء : ١٦.
(٣) كفاية الاصول ٢ : ١٦٧.