وفيه : أوّلا : ما عرفت من أنّ الدفع والرفع متباينان مفهوما لغة وعرفا ، فلا يصحّ استعمال أحدهما مكان الآخر إلّا بعناية وتجوّز.
وثانيا : سلّمنا أنّ الشيء يحتاج إلى العلّة حدوثا وبقاء ، والرفع هو المنع عن تأثير المقتضي في البقاء ، ولكن قد يلاحظ الشيء باعتبار الزمان اللاحق مع قطع النظر عن وجوده في الزمان السابق ، فلا مانع حينئذ عن استعمال كلمة «الدفع» ، وقد يلاحظ الشيء باعتبار وجوده في الزمان السابق ، فلا بدّ حينئذ من استعمال كلمة «الرفع» ، ولذا نرى استعمال كلمة «الوضع» مكان «الرفع» في لسان الأئمّة المعصومين عليهمالسلام حين الاستدلال بهذا الحديث الشريف في مقابل أهل السنّة ، وقالوا : قال صلىاللهعليهوآله : «وضع عن أمّتي تسعة ...» ومعلوم أنّ الوضع إذا كان متعدّيا ب «عن» معناه رفع ما هو متحقّقا وموجودا في الخارج ، كقولنا : وضع الكتاب عن الأرض ، بخلاف ما إذا كان متعدّيا ب «على» ، فلا بدّ في معنى الرفع من ملاحظة الوجود في الزمان السابق ، فالرفع والدفع متباينان.
مع أنّ ظاهر كلامه قدسسره هو التساوي بين عنواني الرفع والدفع ، وما يستفاد من كلامه قدسسره صدرا وذيلا : أنّ كلّ رفع دفع ، وليس كلّ دفع رفعا ، والنسبة بينهما العامّ والخاصّ المطلق ، وهذا مخالف للمعنى اللغوي والعرفي.
الأمر الثالث : في أنّ إسناد الرفع بالمعنى المذكور إلى العناوين التسعة هل يكون إسنادا حقيقيّابحيث لا يحتاج إلى التقدير والتصحيح أم لا؟ مع أنّ المراد من الرفع ليس هو الرفع التكويني ، فإنّا نرى أنّ الامور التسعة المذكورة موجودة ومتحقّقة في الخارج.
قال المحقّق النائيني قدسسره (١) : إنّه لا حاجة إلى التقدير أصلا ؛ لأنّ التقدير إنّما
__________________
(١) فوائد الاصول ٣ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣.