وحينئذ يدور الأمر بين حفظ السياق من هذه الجهة بحمل الموصول في ما لا يعلم على الحكم المشتبه ، وبين حفظه من جهة اخرى بحمله على إرادة الفعل ، ولا ريب في أنّ العرف يرجّح الأوّل ، فيتعيّن الحمل في «ما لا يعلمون» على إرادة الحكم.
وهذا الجواب قابل للمناقشة بكلا شقّيه ، أمّا الشقّ الأوّل فيردّ عليه : بأنّ الفقرات الثلاث من «الطيرة والحسد والوسوسة» أيضا من الأفعال ، إلّا أنّها من الأفعال الجوانحيّة لا الجوارحيّة ، فهذه الفقرات لا تكون قادحة بوحدة السياق.
وأمّا الشقّ الثاني : فأورد عليه استاذنا السيّد الإمام قدسسره (١) وتقرير بيانه : أنّ المجهول في الشبهات الموضوعيّة إنّما هو نفس الفعل أيضا لا عنوانه فقط ، فإنّ الشيء إذا كان بنوعه مجهولا يصحّ أن يقال : إنّ هذا الشيء مجهول ، فإذا علمنا بأنّ هذا مائع ، ولكن لا نعلم أنّه من نوع الخلّ أو من نوع الخمر فيصحّ أن نقول : إنّ شرب هذا المائع مجهول لنا ، فيصحّ إسناد الجهل حقيقة إلى الفعل أيضا.
الجواب الثاني : ما أفاده المحقّق المؤسّس الحائري قدسسره (٢) ، وهو : أنّ الموصول في جميع الفقرات قد استعمل في معناه الحقيقي من المفهوم المبهم المرادف للشيء ، ولذا يقال في علم النحو : إنّ الموصول من المبهمات لا يعرف إلّا بصلته ، فمعنى «رفع عن أمّتي ما لا يعلمون» هو رفع عن أمّتي الشيء الذي لا يعلمونه ، غاية الأمر أنّ الشيء الذي هو معنى الموصول في جميع الفقرات لا يعرف إلّا
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ١٥١.
(٢) درر الفوائد ٢ : ٤٤١.