أجنبيّا عن أصل البراءة.
وجوابه : أوّلا : أنّ هذا الظهور يعارضه ظهور آخر ، وتوضيحه : أنّ كلمة «وضع» إن تعدّت بحرف الاستعلاء دلّت على جعل شيء على شيء وإثباته له ، وإن تعدّت بحرف المجاوزة دلّت على معنى الإسقاط كقوله تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ)(١) ، أي أسقطها ورفعها عنهم ، ومن الواضح أنّ إسقاط شيء عن شيء فرع استقراره فيه.
وعليه فالظاهر من قوله عليهالسلام : «موضوع عنهم» رفع ما هو مجعول بحسب الواقع ، لا ما لم يجعل أصلا وكان مسكوتا عنه من أوّل الأمر ، فإنّ ما لم يجعل من البداية لا يتعلّق به الرفع والإسقاط كما هو واضح ، فليس مفاد الحديث مفاد قوله عليهالسلام : «اسكتوا عمّا سكت الله».
وثانيا : أنّ إسناد الحجب إليه تعالى ، فلأجل ما برهن عليه في المباحث الكلامية من أنّ الأفعال الاختياريّة كما يصحّ إسنادها إلى فاعلها كذلك يصحّ إسنادها إلى الله تعالى بعد ما كان ممكن الوجود مرتبطا بالعلّة ، بل هو عين الربط بها ، ولا استقلال له لاحتياجه في كلّ آن إلى العلّة ، فلا مانع من إسناد الحجب إليه تعالى ، وإن كان المانع عروض العوارض من ظلم الظالمين ومنع المانعين وضياع الكتب.
ولكنّ التحقيق : أنّ إسناد الأفعال الاختياريّة إليه تعالى وإن كان صحيحا مع توجّه التحسين والتوبيخ إلى الفاعل المباشر ، إلّا أنّ إسناد أفعال غير حسنة إليه تعالى أمر غير معهود في الكتاب والسنّة.
الرواية الخامسة : قوله عليهالسلام : «كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام
__________________
(١) الأعراف : ١٥٧.