فجعل عنوان البحث : أنّ التجرّي هل يكون قبيحا أم لا؟ فهل ينطبق عليه عنوان المسألة الاصوليّة أم لا؟ لقائل أن يقول باصوليّته ؛ إذ البحث إن انتهى إلى قبح التجرّي فيمكن بضميمة قاعدة الملازمة ـ أي كلّ ما حكم العقل بقبحه حكم الشرع بحرمته ـ إليه استنباط الحكم الفقهي ، وهو أنّ التجرّي من المحرّمات في الشريعة ، ومعلوم أنّ هذا ضابطة لاصوليّة المسألة.
وجوابه : أوّلا : أنّ ملاك الاصوليّة أن تقع نتيجة البحث في كبرى القياس ، كقولنا : «صلاة الجمعة ما دلّ خبر الواحد المعتبر على وجوبه» ، و «كلّ ما دلّ الخبر على وجوبه فهو واجب» ، فصلاة الجمعة بما أنّها دلّ الخبر على وجوبها تكون واجبة ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنّا نقول : «التجرّي قبيح عقلا» ، و «كلّ ما حكم العقل بقبحه فهو حرام شرعا» ، فالتجرّي حرام شرعا ، وأنت ترى وقوع مسألة الملازمة في كبرى القياس ووقوع مسألة التجرّي في صغرى القياس.
وثانيا : أنّ جريان قاعدة الملازمة محدود بالنسبة إلى الحسن والقبح الواقعين في رتبة متقدّمة على الحكم الشرعي وسلسلة علله ، نظير حكم العقل بقبح الظلم ، واستكشاف حرمته شرعا من قاعدة الملازمة ، وإذا كان حكم العقل في رتبة متأخّرة عن حكم الشرع فلا مجال لقاعدة الملازمة ، نظير حكم العقل بقبح المعصية ، فإنّه متأخّر عن حكم الشرع بحرمة شرب الخمر مثلا ، وهكذا التجرّي متأخّر عن حكم الشرع بحرمة شرب الخمر والقطع بخمريّة مائع وشربه بنيّة المعصية ، فصدق التجرّي متوقّف على ذلك ، ولذا لا محلّ لجريان قاعدة الملازمة هنا ، فلا يمكن أن يكون التجرّي بهذه الكيفيّة من مسائل علم الاصول.