قبيحا عقلا ؛ إذ فوت غرض المولى حينئذ ليس مستندا إلى تقصير من العبد ، بل مستند إلى عدم تماميّة البيان من قبل المولى.
وعليه فالمكلّف بعد الفحص التامّ وعدم وجدانه دليلا على الحكم يكون معذورا عند العقل في عدم امتثال التكليف المجهول ، وإن كان هناك بيان في الواقع ، وهذا متّفق عليه بين الاصوليّين والأخباريّين.
وظهر بما ذكرنا أنّ موضوع حكم العقل بقبح العقاب هو عدم البيان الواصل إلى المكلّف ؛ إذ من الواضح أنّ الانبعاث نحو عمل أو الانزجار عنه إنّما هو من آثار التكليف الواصل ، لا التكليف بوجوده الواقعي ، فإنّه لا يكون محرّكا وزاجرا للعبد ، ولا يتمّ به الحجّة عليه.
ثمّ إنّ المحقّق الأصفهاني قدسسره (١) ذهب إلى أنّ حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وإن كان صحيحا في نفسه ، إلّا أنّه أجنبيّ عمّا يعيّنه الاصولي ، وقال في توضيحه : إنّ حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان مأخوذ من الأحكام العقلائيّة التي حقيقتها ما تطابقت عليه آراء العقلاء حفظا للنظام وإبقاء للنوع ، ومن الواضح أنّ هذا الحكم العقلي العملي ليس منحازا عن الأحكام العقليّة العمليّة الاخرى ، بل هو فرد من أفراد حكم العقل بقبح الظلم عند العقلاء ، فإنّ مخالفة التكليف الذي قامت عليه الحجّة هتك لحرمة المولى وخروج عن رسم العبوديّة ، وهو ظلم من العبد إلى مولاه ، فيستحقّ الذمّ والعقاب عليه ، كما أنّ مخالفة ما لم تقم عليه الحجّة ليست من أفراد الظلم ، وحينئذ فالعقوبة عليه ظلم من المولى إلى عبده ، وهو قبيح من كلّ أحد ؛ لأنّه يؤدّي إلى فساد النوع واختلال النظام ، ولا يخفى أنّ المهمّ هو دفع استحقاق العقاب على فعل محتمل
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ١٩٠ ـ ١٩١.