الحرمة ـ مثلا ـ ما لم تقم عليه حجّة منجّزة له ، وحيث إنّ موضوع الاستحقاق بالآخرة هو الظلم على المولى ، فمع عدمه لا استحقاق قطعا ، وعليه فلا حاجة إلى ضمّ قبح العقاب بلا بيان وإن كان صحيحا في نفسه.
وحاصل كلامه قدسسره : أنّ البحث في باب البراءة يرتبط بشأن من شئونات المكلّف ، وأنّه إذا شرب التتن بعد الفحص واليأس عن الدليل على حلّيته وحرمته لا يستحقّ العقوبة.
وأمّا قاعدة قبح العقاب بلا بيان فالمقصود منها أنّ عقوبة المولى للمكلّف عند عدم تماميّة الحجّة على التكليف من قبله قبيح ؛ لأنّه ظلم من المولى على العبد ، فلا ينطبق الدليل على المدّعى ، فإنّ القاعدة ترتبط بالمولى لا بالمكلّف. على أنّه لا أصالة لها بل هي من مصاديق الظلم.
وأورد عليه استاذنا السيّد الإمام قدسسره (١) : أوّلا : أنّه لا شكّ في أنّ العقل مستقلّ بوجوب إطاعة المنعم وقبح مخالفته ، كما أنّه مستقلّ باستحقاق العقوبة للمتخلّف ، ومع قطع النظر عن جميع الجهات الاخرى فالحكم باستحقاق العقوبة ليس بملاك انطباق عنوان الظلم.
وثانيا : أنّ المهمّ فيما نحن فيه هو تحصيل المؤمّن من العقاب حتّى يجوز للمكلّف ارتكاب محتمل الحرمة ، ومعلوم أنّه إنّما يحصل بالتمسّك بكبرى قبح العقاب بلا بيان ، وأمّا مجرّد دفع الاستحقاق بمناط أنّ الارتكاب ليس ظلما فلا يكفي في ذلك ؛ لأنّ دفع الاستحقاق من جهة الظلم لا يصير مؤمّنا عن عامّة الجهات ما لم ينضمّ إليه حكم العقل بقبح العقاب من المولى عند عدم البيان.
وأمّا الجهة الثانية : فسيأتي البحث فيها عند مناقشة أدلّة الأخباريّين.
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ١٨٩.