ومن الواضح أنّ الاصولي يقول بحرمة الإفتاء بغير العلم ، وإنّما قال بالإباحة في الشبهة لقيام الأدلّة الشرعيّة والعقليّة عليها ، فيكون من مصاديق القول عن علم.
هذا كلّه في الجواب التفصيلي عن هذه الطائفة ، ويمكن الإجابة عنها إجمالا بوجهين:
الأوّل : لا شكّ في استقلال العقل بحسن الاحتياط ، وظاهر هذه الأخبار هو الإرشاد إلى هذا الحكم العقلي ، وقلنا : إنّ الأمر الإرشادي تابع لما يرشد إليه ، وهو يختلف باختلاف الموارد ، ففي بعضها يكون الاحتياط واجبا كما في الشبهة البدوية قبل الفحص والشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي ، وفي بعضها الآخر يكون الاحتياط حسنا كما في الشبهات البدويّة ، موضوعيّة كانت أو حكميّة.
الوجه الثاني : سلّمنا أنّ أوامر الاحتياط أوامر مولويّة ، إلّا أنّها لا تدلّ على وجوب الاحتياط ، وإنّما تدلّ على استحبابه ، وذلك لأنّ هذه الأخبار مطلقة وبإطلاقها تشمل جميع الشبهات بما فيها الشبهة الموضوعيّة والشبهة الحكميّة الوجوبيّة ، والاحتياط فيها ليس واجبا إجماعا ، وعليه فيدور الأمر بين التصرّف في الهيئة برفع اليد عن ظهورها في الوجوب وبين التصرّف في المادّة وتخصيصها بما عدا الشبهة الموضوعيّة والشبهة الحكميّة الوجوبية ، وبما أنّ لسانها آب عن التخصيص فيتعيّن حملها على الاستحباب ورفع اليد عن ظهورها في الوجوب.
الطائفة السادسة : ما دلّ على تثليث الامور :
منها : قوله عليهالسلام : «حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان به أترك ، والمعاصي حمى الله ، فمن يرتع حولها