وفيه : أنّ ترتّب الثواب على عمل أعمّ من الاستحباب الشرعي ، والأعمّ لا يثبت الأخصّ ، فإنّ ترتّب الثواب على عمل تارة يكون لأجل كونه محبوبا نفسيّا وذا رجحان ذاتي فيثبت الاستحباب الشرعي ، واخرى يكون لأجل التحفّظ على ما هو محبوب واقعا ، وفي مثله لا يثبت الاستحباب كما هو واضح.
القول الثاني : ما ذهب إليه المحقّق النائيني قدسسره (١) من أنّ الأخبار مسوقة لبيان اعتبار قول المبلّغ وحجّيته ، سواء كان واجدا لشرائط الحجّية أم لم يكن كما هو ظاهر الإطلاق ، وعليه فتكون أخبار من بلغ مخصّصة لما دلّ على اعتبار الوثاقة أو العدالة في الخبر ، وأنّها تختصّ بالخبر القائم على وجوب الشيء ، وأمّا الخبر القائم على الاستحباب فلا يعتبر فيه ذلك. وظاهر عناوين كلمات القوم ينطبق على هذا المعنى ، فإنّ الظاهر من قولهم : «يتسامح في أدلّة السنن» هو أنّه لا يعتبر في أدلّة السنن ما يعتبر في أدلّة الواجبات.
إن قلت : كيف تكون أخبار «من بلغ» مخصّصة لما دلّ على اعتبار الشرائط في حجّية الخبر مع أنّ النسبة بينهما العموم من وجه ، حيث إنّ ما دلّ على اعتبار الشرائط يعمّ الخبر القائم على الوجوب وعلى الاستحباب ، وأخبار «من بلغ» وإن كانت تختصّ بالخبر القائم على الاستحباب ، إلّا أنّه أعمّ من أن يكون واجدا للشرائط أو فاقدا لها ، ففي الخبر القائم على الاستحباب الفاقد للشرائط يقع التعارض ، فلا وجه لتقديم أخبار «من بلغ» على ما دلّ على اعتبار الشرائط في الخبر؟
قلت : مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ أخبار «من بلغ» ناظرة إلى إلغاء الشرائط
__________________
(١) فوائد الاصول ٣ : ٤١٣ ـ ٤١٤.