العقل بالتخيير هنا أم لا؟
الظاهر أنّ العقل بعد الرجوع إليه يحكم بذلك ، بمعنى أنّه يدرك أنّ المكلّف في مقام العمل يكون مخيّرا بين الفعل والترك ، لا بمعنى جعله الحكم بالتخيير في مقابل الوجوب الشرعي أو الحرمة الشرعيّة المعلومة بالإجمال.
ويستفاد من كلام المحقّق النائيني رحمهالله عدم ثبوت الوظيفة العقليّة هنا ؛ لأنّ التخيير العقلي إنّما هو فيما إذا كان في طرفي التخيير ملاك يلزم استيفاؤه ولم يتمكّن المكلّف من الجمع بين الطرفين ، كالتخيير الذى يحكم به في باب التزاحم ، وفي دوران الأمر بين المحذورين ليس كذلك ؛ لعدم ثبوت الملاك في كلّ من طرفي الفعل والترك (١).
جوابه : أنّه لا دليل لانحصار مناط حكم العقل بالتخيير بباب المتزاحمين فقط ، بل العقل كما يحكم هناك بالتخيير كذلك يحكم هنا به ؛ إذ لا بدّ من الحكم به بنظر العقل بعد الرجوع إليه ؛ لعدم تصوّر طريق آخر سواه في مقام العمل.
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عمّا التزم به المحقّق العراقي رحمهالله من أنّ الحكم التخييري ـ شرعيّا كان كما في باب الخصال ، أو عقليّا كما في باب المتزاحمين ـ إنّما يكون في مورد يكون المكلّف قادرا على المخالفة بترك كلا طرفي التخيير ، فكان الأمر التخييري باعثا على الإتيان بأحدهما وعدم تركهما معا ، لا في مثل المقام الذي هو من التخيير بين النقيضين(٢).
وجه ذلك : أنّه لا دليل على انحصار التخيير بما ذكر ، فإنّ ملاك التخيير ـ أي
__________________
(١) فوائد الاصول ٣ : ٤٤٤.
(٢) نهاية الأفكار ٣ : ٢٩٣.