لا الإباحة ، فإنّه لم يرد في شيء منها الحكم بإباحة مشكوك الحرمة أصلا ، فالإباحة حكم من الأحكام الخمسة في مقابل الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة ، والحلّيّة المستفادة من قوله عليهالسلام : «كلّ شيء لك حلال» في مقابل الحرمة فقط ، يعني إذا دار الأمر بين الحرمة وغير الحرمة فالمرجع هنا أصالة الحلّيّة.
الثالث : أنّ مقتضى ما ذكره أوّلا من عدم شمول دليل أصالة الإباحة لصورة دوران الأمر بين المحذورين ينافي ما ذكره أخيرا من أنّ مفاد أصالة الإباحة هو الترخيص في الفعل والترك.
بيان ذلك : أنّ الترخيص في الفعل لا يعقل بعد كون الترخيص فيه معلوما ، فإذا شكّ في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ـ مثلا ـ فما يمكن أن تدلّ عليه أدلّة البراءة بالنسبة إلى الدعاء عندها هو الترخيص في تركه ، وأمّا الترخيص في الفعل فلا تدلّ عليه أدلّة البراءة ؛ لكونه معلوما ، فالترخيص في الفعل إنّما يعقل إذا كان الفعل مشكوك الحرمة ، كما أنّ الترخيص في الترك إنّما يمكن إذا كان الفعل مشكوك الوجوب ، ولا يعقل الترخيص في الترك في الأوّل وفي الفعل في الثاني ، وحينئذ فمقتضى ما ذكره أخيرا من أنّ مفاد أصالة الإباحة هو الترخيص في الفعل والترك هو أن يكون الفعل مشكوك الحرمة والوجوب ؛ إذ لا يعقل الترخيص في الفعل مع العلم بعدم الحرمة ، ولا في الترك مع العلم بعدم الوجوب ، فالترخيص فيهما معا إنّما هو إذا لم يعلم عدم الحرمة ولا عدم الوجوب ، بل دار الأمر بينهما ، كما في المقام ، فمفاد كلامه الأخير هو اختصاص مورد أصالة الإباحة التي مرجعها إلى الترخيص في الفعل والترك بصورة دوران الأمر بين المحذورين ؛ إذ لا يعقل الترخيص فيهما معا في غيرها ،