وحينئذ فإن قلنا بثبوت الترجيح وأنّ المخالفة القطعيّة لها مزيّة على الموافقة القطعيّة يكون التخيير بدويّا ؛ لئلّا يلزم المخالفة القطعيّة بالنسبة إلى العلمين الإجماليّين الآخرين.
وإن قلنا بعدم ثبوت الترجيح وأنّه لا فرق بينهما يكون التخيير استمراريا ، وهذا هو الظاهر ؛ لعدم الدليل على ترجيحها.
وما حكي من كون المخالفة القطعيّة علّة تامّة للحرمة والموافقة القطعيّة مقتضية للوجوب ، فليس إلّا مجرّد دعوى بلا بيّنة وبرهان.
ولازم القول بترجيح المخالفة القطعيّة على الموافقة القطعيّة التخيير البدوي في المقام ؛ فإنّ مع اختيار فعل صلاة الجمعة في الابتداء والإتيان بها إلى آخر العمر لا تتحقّق المخالفة القطعيّة أصلا ، وهكذا مع اختيار تركها.
وأمّا على القول بعدم الترجيح بينهما فكما أنّ المخالفة القطعيّة علّة تامّة للقبح ولازمة الاجتناب ، كذلك الموافقة القطعيّة علّة تامّة للحسن ولازمة الارتكاب ، فلا محالة يكون التخيير استمراريا ؛ فإنّه وإن كان مستلزما للمخالفة القطعيّة ولكنّه يستلزم الموافقة القطعيّة أيضا ؛ إذ قد مرّ أنّ موافقة كلّ من العلمين الإجماليّين قطعا عين مخالفة الآخر وبالعكس ، فالتحقيق : أنّ التخيير هنا استمراري ؛ لعدم الفرق بينهما من حيث العلّيّة التامّة ، كما لا يخفى.
وقال المحقّق النائيني رحمهالله في المقام ما ملخّصه : إنّ المخالفة القطعيّة لم يتعلّق بها التكليف التحريمي شرعا ، بل قبحها ـ كحسن الطاعة ـ من المستقلّات العقليّة التي لا تستتبع الخطاب المولوي ، وحكم العقل بقبح المخالفة القطعيّة فرع تنجّز التكليف ، وإلّا فنفس المخالفة بما هي مخالفة لا يحكم العقل بقبحها ما لم يتنجّز التكليف ، فمخالفة التكليف المنجّز قبيحة عقلا ، وأمّا مخالفة التكليف الغير