نعم ، يمكن أن يقال بأنّ تنجيس النجس الراجع إلى سببيّته لنجاسة الملاقي يكون مجعولا شرعا ، بناء على ما هو الحقّ من إمكان جعل السببيّة ، وأمّا السراية التكوينيّة فقد لا تكون متحقّقة ، كما لا يخفى.
ويستفاد من كلام الشيخ رحمهالله أنّ معنى الاجتناب عن النجس هو الاجتناب عنه وعمّا يلاقيه.
وقد يستدلّ لذلك بقوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(١) ؛ لأنّ هجر النجاسات لا يتحقّق إلّا بهجر ملاقيها.
وقد يستدلّ برواية جابر الجعفي عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه أتاه رجل ، فقال له : وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت ، فما ترى في أكله؟ فقال : أبو جعفر عليهالسلام «لا تأكله» فقال الرجل : الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : «إنّك لم تستخفّ بالفأرة ، إنّما استخففت بدينك ، إنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء» (٢).
وجه الدلالة أنّه عليهالسلام جعل ترك الاجتناب عن الطعام استخفافا بتحريم الميتة ، ولو لا استلزامه لتحريم ملاقيه لم يكن أكل الطعام استخفافا بتحريم الميتة ، فوجوب الاجتناب عن شيء يستلزم وجوب الاجتناب عن ملاقيه.
أقول : أمّا قوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) فنمنع أوّلا أن يكون المراد بالرّجز هي الأعيان النجسة ، ونمنع ثانيا كون المراد بالهجر هو هجره وهجر ما يلاقيه.
وأما الرواية فمضافا إلى ضعف سندها لا بدّ من ملاحظة أمرين فيها :
الأوّل : أنّ حمل الحرمة في قوله : «إنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء» على النجاسة مضافا إلى أنّه خلاف الظاهر لا شاهد عليه ، بل معناها حرمة أكل
__________________
(١) المدّثر : ٥.
(٢) الوسائل ١ : ٢٠٦ ، الباب ٥ من أبواب الماء المضاف ، الحديث ٢.