ويرد عليه : أنّ رفع الجزئيّة لا بدّ أن يكون برفع منشأ انتزاعها ، وهو عبارة عن الوجوب المتعلّق بالأكثر ، ورفعه معارض لرفع الوجوب المتعلّق بالأقلّ ، فيقع التعارض حينئذ بين الأصل الجاري في منشأ انتزاعه وبين الأصل الجاري في الأقلّ كما في الصورة السابقة.
ومن هنا ينقدح الخلل فيما أفاده المحقّق العراقي بعد تسليم ثبوت التعارض بين الأصل الجاري في الأكثر في وجوبه النفسي والأصل الجاري في الأقلّ ، من أنّه يكفي في جريان الأصل في جزئيّة المشكوك مجرّد كونها ممّا أمر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بتوسّط منشئه ، وهو التكليف ، فإنّ للشارع رفع الجزئيّة عن المشكوك برفع اليد عن فعليّة التكليف المتعلّق بالأكثر (١).
وجه الخلل : ما عرفت من أنّ منشأ انتزاع الجزئيّة هو الوجوب النفسي المتعلّق بالمركّب من الجزء المشكوك ، والأصل الجاري فيه معارض بالأصل الجاري في المركّب من غيره ، كما اعترف به.
أمّا لو كان مجرى البراءة هو الوجوب الغيري المتعلّق بالجزء المشكوك فالظاهر أيضا عدم جريان الأصل فيه للمعارضة ؛ لأنّ الوجوب الغيري بالجزء المشكوك وإن كان وجوبا شرعيّا بناء على القول بوجوب المقدّمة على خلاف ما هو الحقّ والمحقّق في محلّه ، إلّا أنّ الملازمة بينه وبين وجوب ذي المقدّمة ملازمة عقليّة ، فالشكّ فيه وإن كان مسبّبا عن الشكّ في وجوب الأكثر ، إلّا أنّه لا يرتفع بالأصل الجاري في السبب بعد عدم كون المسبّب من الآثار الشرعيّة المترتّبة عليه ، فكما أنّه يجري الأصل في السبب يجري في المسبّب أيضا ، وحينئذ فيقع التعارض بين الأصل الجاري فيهما والجاري
__________________
(١) نهاية الافكار ٣ : ٣٩٠.