المتباينين ، فيجب فيه الاحتياط بإطعام خصوص زيد مثلا.
ويرد على هذه المقدّمة : أنّ التحقيق في باب الكلّي الطبيعي هو كونه موجودا في الخارج بوصف الكثرة ، فإنّ زيدا إنسان وعمرا أيضا إنسان ، وزيد وعمرو إنسانان ؛ لأنّ الكلّي الطبيعي ليس إلّا نفس الماهيّة ، وهي بذاتها لا تكون واحدة ولا كثيرة ، وحيث إنّها لا تكون بنفسها كذلك فتجتمع مع الواحد ومع الكثير ؛ لأنّها لو كانت واحدة لم يكن يمكن أن تجتمع مع الكثير ، ولو كانت كثيرة لا يكاد يمكن أن تجتمع مع الواحد ، فحيث لا تكون كثيرة بذاتها ولا واحدة بنفسها لا تأبى من الاجتماع معهما.
وبالجملة ، كلّ فرد من أفراد الإنسان ـ مثلا ـ هو نفس ماهيّته مع خصوصيّة زائدة ، فزيد حيوان ناطق ، كما أنّ عمرا كذلك أيضا ، ولا تكون الماهيّة المتحقّقة ضمن زيد مغايرة للماهيّة المتحقّقة ضمن عمرو أصلا ، فجميع أفراد الإنسان يشترك في هذه الجهة ، ولا مباينة بينها من هذه الحيثيّة أصلا ، والطبيعي الجامع بينها يتّحد في الخارج مع كلّ واحد منها ، ولا يكون واحدا بالوحدة العدديّة كما زعمه الرجل الهمداني الذي صادفه الشيخ الرئيس في بلدة همدان ، حيث إنّه تخيّل أنّ الطبيعي الجامع موجود في الخارج بوصف الوحدة(١).
كما أنّ ما ذكر في المقدّمة الثانية من تحصّصه بحصص متباينة وكونها آباء متعدّدة ممّا لا يكاد يتصوّر وإن أذعن به بعض الأعلام.
مضافا إلى أنّه خلاف ما صرّح به الفلاسفة العظام ، وتعبيرهم بأنّ الطبيعي مع الأفراد كالآباء مع الأولاد إنّما يريدون به نفي ما زعمه الرجل الهمداني
__________________
(١) رسائل ابن سينا : ٤٦٣ ، الحكمة المتعالية ١ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، شرح المنظومة ، قسم الحكمة : ٩٩.