العقلي إلى الأقلّ والأكثر ، إلّا أنّه خارجا بنظر العرف يكون من الترديد بين المتباينين ؛ لأنّ الإنسان بما له من المعنى المرتكز في الذهن مباين للحيوان عرفا ، فلو علم إجمالا بوجوب إطعام الإنسان أو الحيوان فاللازم هو الاحتياط بإطعام خصوص الإنسان ؛ لأنّ ذلك جمع بين الأمرين ، فإنّ إطعام الإنسان يستلزم إطعام الحيوان أيضا (١).
ويرد عليه أوّلا : أنّ البحث في البراءة العقليّة والمتّبع فيها نظر العقل ، فلا يرتبط بنظر العرف ، ولحاظه الإنسان مع الحيوان متباينا ، وهذا الكلام يجري في البراءة الشرعيّة المستفادة من الأدلّة اللفظيّة.
وثانيا : أنّ التنافي بين الحيوان والإنسان بنظر العرف لو سلّم لا يوجب تعميم الحكم لمطلق ما إذا دار الأمر بين الجنس والنوع ، فمن الممكن أن لا يكون بعض الأنواع منافيا لجنسه بنظر العرف أيضا كالبقر والحيوان ، والغنم والحيوان.
وثالثا : لو سلّم التنافي فمقتضى القاعدة الحاكمة بوجوب الاحتياط الجمع بين الجنس والنوع بإطعام الحيوان والإنسان معا في المثال ، لا الاقتصار على إطعام الإنسان فقط.
وما أفاده من أنّ إطعام الإنسان يستلزم إطعام الحيوان أيضا رجوع عمّا ذكره أوّلا من المباينة بينهما بنظر العرف ، فإنّ استلزامه لذلك إنّما هو بملاحظة التحليل العقلي لا النظر العرفي ، كما لا يخفى.
ثمّ إنّك عرفت ممّا تقدّم أنّ تمام المناط لجريان البراءة هو وجود القدر المتيقّن في البين ، بلا فرق بين أن تكون الخصوصيّة المشكوكة من قبيل
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٢٠٨.