والأكثر الاستقلاليّين أو من الأقل والأكثر الارتباطيّين ؛ نظرا إلى أنّه على كلّ تقدير يرجع الشكّ في الموضوع الخارجي في اتّصافه بعنوان موضوع الكبرى إلى الشكّ في سعة الحكم وضيقه من ناحية الخطاب ، والمرجع في مثله هو البراءة (١).
وقد يقال بعدم جريانها مطلقا ؛ نظرا إلى أنّ وظيفة الشارع ليس إلّا بيان الكبريات فقط لا الصغريات أيضا ، مثلا : إذا قال : «أكرم العلماء» ، أو «لا تشرب الخمر» فقد تمّ بيانه بالنسبة إلى وجوب إكرام كلّ عالم واقعي ، وبالنسبة إلى حرمة شرب جميع أفراد الخمر الواقعي. ولا يلزم مع ذلك أن يبيّن للمكلّفين أفراد طبيعة العالم ، وأنّ زيدا ـ مثلا ـ عالم أم لا ، وكذا لا يلزم عليه تعيين الأفراد الواقعيّة للخمر ، كما هو واضح.
وحينئذ فبيان المولى قد تمّ بالنسبة إلى جميع الأفراد الواقعيّة لموضوع الكبرى ، ففي موارد الشكّ يلزم الاحتياط بحكم العقل ؛ خروجا من المخالفة الاحتماليّة الغير الجائزة بعد تماميّة الحجّة ووصول البيان بالنسبة إلى ما كان على المولى بيانه.
والتحقيق : التفصيل بين الاستقلالي والارتباطي ، فتجري البراءة في مثل : «أكرم العلماء» ، إذ اخذ العام على سبيل العام الاصولي ـ أي الاستغراقي ، ولا تجري إذا اخذ بنحو العام المجموعي.
والسرّ فيه : أنّ المأمور به في مثل «أكرم كلّ عالم» إنّما هو إكرام كلّ واحد من أفراد طبيعة العالم ، بحيث كان إكرام كلّ واحد منها مأمورا به مستقلّا ، فهو بمنزلة «أكرم زيدا العالم» و «أكرم عمرا العالم» و «أكرم بكرا العالم» ، وهكذا ،
__________________
(١) نهاية الأفكار ٣ : ٤٠٩.